الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تكون هينا لينا سهلا قريبا

الأَفْضَلُ لَكَ أَنْ تَكُونَ هَيْنًا لَيْنًا سَهْلًا قَرِيبًا

رَوَى الطَّبَرَانيُّ فِي كِتَابِ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ هَيْنٍ لَيْنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ" فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ "هَيْنًا" مِنَ الْـهَونِ بفَتْحِ الهَاءِ، وَهُوَ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ، "لَيْنًا" مِنَ اللِّينِ وَهُوَ ضِدُّ الـخُشُونَةِ، "سَهْلًا" يَقْضِي حَوَائِجَ الغَيْرِ وَيُسَهِّلُ أُمُورَهُم،

"قَرِيبًا" أيْ مِنَ النَّاسِ بِـمُجَالَسَتِهِمْ وَحُسْنِ مُلَاطَفَتِهِ لَهُم. فَالـمُؤْمِنُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الـجَمِيلَةِ هَيْنًا، هُوَ الإِنْسَانُ السَّهْلُ البَسِيْطُ فِي مُعَامَلَتِهِ وَالَّذِي لَا يُصَعِّبُ الأُمُورَ، هُوَ سَهْلٌ فِي الـمُعَامَلَةِ وَلَيْنٌ أَيْ لَيْسَ عَنِيفًا وَلَا صَعْبًا، بَلْ هُوَ إِنْسَانٌ قَرِيبٌ سَهْلُ التَّنَاوُلِ. وَكُلُّ مُفْرَدَاتِ الحَدِيْثِ مُرَادِفَاتٌ لِـمَعْنًى وَاحِدٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عِنْدَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَتْ: لَـمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.
"أَلا أُخْبِرُكُمْ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ هَيْنٍ لَيْنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ" مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّكَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَتَكَلَّمَ مَعَ هَذَا الإِنْسَانِ بِسُهُولَةِ، وَعِنْدَمَا تَعْتَذِرُ لَهُ يَقْبَلُ مِنْكَ الاعْتِذَارَ دُونَ أَدْنَى صُعُوبَةٍ، فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنَ القَلْبِ قَرِيبًا مِنَ النَّاسِ.
وَلَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِهَذَا الحَدِيثِ أنَّ حُسْنَ الـخُلُقِ يُدْخِلُ صَاحِبَهُ الجَنَّةَ وَيُحَرِّمُهُ عَلَى النَّارِ، فَإِنَّ حُسْنَ الـخُلُقِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الإِنْسَانِ سَهْلَ العَرِيكَةِ، سَلِسَ الـخُلُقِ، حُلْوَ الـمَعْشَرِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، طَلِقَ الوَجْهِ، قَلِيْلَ النُّفُورِ، طَيِّبَ الكَلِمَةِ.
فَلْيَتَّقِ اللهَ امْرُؤٌ ءَامَنَ بِالآخِرَةِ فَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ"، فَعَجَبًا لِمَنْ يُقْبِلُ عَلَى الـمُدْبِرَةِ وَيُدْبِرُ عَنِ الْمُقْبِلَةِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا» أَيْ سَارَتِ الدُّنْيَا، وَمَعْنَى «وَهِيَ مُدْبِرَةٌ» أَيْ الدُّنْيَا سَائِرَةٌ إِلَى الانْقِطَاعِ وَمَعْنَى «وَارْتَحَلَتِ الآَخِرَةُ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ» أَيْ أَنَّ الآَخِرَةَ سَارَتْ مُقْبِلَةً، فَالدُّنْيَا دَارُ العَمَلِ وَالآخِرَةُ دَارُ الجَزَاءِ عَلَى العَمَلِ. وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ الكَرِيمِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءالِهِ الأَطْهِارِ وَصَحَابَتِهِ الأَخْيَارِ.