الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَتَفَكَّرَ فِي مخلوقات الخالق القديرِ

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَتَفَكَّرَ فِي مخلوقات الخالق القديرِ

لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [سورة البقرة/163] عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ إِنَّ إلَهَكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ، فَلَيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقينَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السّمواتِ وَالْأرْضِ وَاِخْتِلَافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [سورة البقرة/164].

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ والنُّجُومِ الـمُسَخَّرَاتِ، وَذَكَرَ خَلْقَ الْأرْضِ بِـمَا فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْـجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، وَذَكَرَ الْفُلْكَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي فِيه حَيَاةُ الْبِلادِ، وَبِهِ وَبِـمَا وَضَعَ اللهُ فِي اللَّيْلِ والنَّهَارِ مِنَ الْـحَرِّ وَالْبَرْدِ، يَتِمُّ رِزْقُ العِبَادِ والبَهَائِمِ والدَّوَابِّ، وَذَكَرَ مَا بَثَّ فِي الْأرْضِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الصُّوَرِ وَالْأَجْسَادِ، وَذَكَرَ تَصْرِيفَ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الـمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِ الْـحَيَوَانَاتِ وَمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِتَدْبِيرٍ وَتَقْديرٍ وَنِظَامٍ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا حَكِيمًا تَامَّ الْقُدْرَةِ بالِغَ الْحِكْمَةِ.
فالتَّفَكُّرُ فِي الْمَصْنُوعَاتِ مَطْلُوبٌ، حَتَّى قَالَ الرَّسُولُ عَلَيه السَّلَامُ بَعْدَمَا قَرَأَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالْأرْضِ وَاِخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنّهارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190 )﴾ [سورة آل عمران] كَمَا وَرَدَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ الـمُتَّصِلِ فِي كِتَابِ الْأدَبِ لِلْبَيْهَقِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: "وَيْلٌ لَمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا" مَعَنَاهُ الَّذِي لَا يَسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ اللهِ وَكَونِهِ خَالِقَ الْعَالَمِ لَهُ الْوَيْلُ، مَعَنَاهُ يَسْتَحِقُّ هَلَاكًا شَدِيدًا.
فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيـمَةُ مَعَنَاهَا الْأَمْرُ بالتَّفَكُّرِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ، لَيْسَ مُـجَرَّدَ النَّظَرِ بِالْعَيْنِ، لَا! هَذَا لَا يَكْفِي، بَلْ يَتَفَكَّرُ فِي قَلْبِهِ، بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَا وُجِدَتْ بِدُونِ مُوجِدٍ، وَالَّذِي أَوَجْدَهَا لَا يُشْبِهُهَا، هَذَا الْمُرَادُ. اللهُ تَعَالَى مَا خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ عَبَثًا بِدونِ حِكْمَةٍ بَلْ خَلَقَهَا لِـحِكْمَةٍ. إِنَّـمَا أَكْثَرُ النَّاسِ قَلُوبُهُمْ مُقْفَلَةٌ، لَا يَشْعُرُونَ بِالْحِكَمِ الَّتِي فِيهَا، إِنَّـمَا يَنْظُرُونَ بِأَعْيُنِهمْ نَظَرًا بِدونِ تَفَكُّرٍ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا.