الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تعمل بمفاتيح القلوب

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ وَتُثِيبَ عَلَيْهَا

إِنَّ لِلْهَدِيَّةِ أثَرًا عَجِيبًا فِي النُّفُوسِ، كَمْ مِنْ شَحْنَاءَ وَغِلٍّ أَذْهَبَتْهُ، وَكَمْ مِنْ حِقْدٍ وَبُغْضٍ أَزَالَتْهُ، وَكَمْ أَلَّفَتْ بَيْنَ الْقُلُوبِ، وَكَمْ قَرَّبَتْ بَيْنَ النُّفُوسِ؟ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا" مَعْنَاهُ إِنْ تَهَادَيْتُم فَهَذَا أَعْطَى شَيْئًا لِأَخِيهِ وَهَذَا أَعْطَى شَيْئًا تَزْدَادُ الـمَحَبَّةُ.

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، وَكَانَ يَدْعُو إِلَى قَبُولِـهَا وَيُرَغِّبُ فِيهَا، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْـهِلَالِ، ثُمَّ الْـهِلَالِ، ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ نَارٌ، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إلَّا أَنَّه قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَتْ لَـهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَـمْنَحُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ مِنْ أَلْبَانِـهِمْ، فَيَسْقِينَا.
وَلَكِنْ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ ﷺ فَأكَلَ مَعَهُمْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْـهَدِيَّةِ أَنْ تَكُونَ شَيْئًا ثَـمِينًا، بَلْ لَوْ كَانَتْ شَيْئًا يَسِيرًا وَلَوْ سِوَاكًا لَكَفَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّهَادِيَ يُقَوِّي الـمَحَبَّةَ، بَلْ كَانَ التَّابِعُونَ يُرْسِلُونَ الْـهَدِيَّةَ لِأَخِيهِمْ وَيَقُولُونَ: "نَعْلَمُ غِنَاكَ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَإِنَّـمَا أَرْسَلْنَا ذَلِكَ لِتَعْلَمَ أَنَّكَ مِنَّا عَلَى بَالٍ". وَقَدْ قَالَ ﷺ مُوَجِّهًا أُمَّتَهُ: "لَوْ أُهْدِيَ إليَّ ذِرَاعٌ" وَهُوَ يَدُ الشَّاةِ "أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ"، وَالْكُرَاعُ هُوَ مَا دُونَ الْكَعْبِ وَمَا اسْتَدَقَّ مِنْ سَاقِ الْـحَيَوَانِ، فَأَشَارَ ﷺ بِالذِّرَاعِ وَالْكُرَاعِ إِلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِنْ قَلَّتْ.
الْهَدِيَّةُ مِفْتَاحٌ مِنْ مَفَاتِيحِ الْقُلُوبِ، هَجَرَهَا الْكَثِيرُونَ وَلَـمْ يُعِيرُوهَا اهْتِمَامَهُمْ رَغْمَ لَفْتِ الرَّسُولِ ﷺ انْتِبَاهَنَا إِلَى أَهَـمِّيَّتِهَا. فَبِهَا يَزُولُ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ جَفَاءٍ وَوَحْشَةٍ، وَبِهَا تَرِقُّ الْقُلُوبُ، وَتَصْفُو النُّفُوسُ، وتَزْدَادُ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ، وَيُعَمَّقُ الْـحُبُّ، وَتُوَثَّقُ الرَّوَابِطُ؛ وَلِهَذَا يُوصِينَا نَبِيُّنَا ﷺ بِأَنْ يُهَادِيَ بَعْضُنَا بَعْضًا. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا إِلَى طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ ﷺ.