الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك أن تكون متواضعا

الْأفْضَلُ لَكَ أَنْ تَكُونَ مُتَوَاضِعًا

رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الأَمَالِـيِّ الْـمِصْرِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ قَالَ: "إِنَّكُمْ لَتَغْفُلُونَ عَنْ أفْضَلِ الْعِبَادَةِ التَّوَاضُعِ" أَيْ أَنَّ التَّوَاضُعَ مِنْ أفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنْ أعْلَمَنَا الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ غَافِلُونَ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ التَّوَاضُعِ.

التَّوَاضُعُ يُؤَدِّي إِلَى كَسْبِ الْمَعَالِي والدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، فَالتَّوَاضُعُ مَطْلُوبٌ مَعَ الْكِبَارِ والصِّغَارِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ لِوَجْهِ اللهِ وَهُوَ يَدْعُو للتَّآَلُفِ، وَأَمَّا التَّكَبُّرُ فَهُوَ مَذْمُومٌ فِي وَجْهِ الْمُؤْمِنِ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِ، لِأَنَّ الْأنْبِيَاءَ لَمَّا دَعَوُا الكُفَّارَ إِلَى الدِّينِ مَا كَانُوا مُتَكَبِّرِينَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُتَكَبِّرِينَ فِي وُجُوهِ الكُفَّارِ لَنَفَرُوا عَنْهُمْ، وَأَحْوَالُ النَّبِيِّ ﷺ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. والتَّوَاضُعُ يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ الْكَبِيرِ والصَّغِيرِ مَعَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ. الْأنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ لَوْلَا تَوَاضُعُهُمْ مَا أَرْشَدُوا النَّاسَ. ومِنَ التَّوَاضُعِ أَنْ تَخْدُمَ إِخْوَانَكَ لِمَرْضَاةِ اللهِ، الزَّوْجَةُ تَخْدُمُ زَوْجَهَا، والزَّوْجُ يَخْدُمُ أهْلَ بَيْتِهِ، وَصَاحِبُ الْعَمَلِ يَخْدُمُ مُوَظَّفِيهِ، وَالْـجَارُ يَخْدُمُ جَارَهُ، وَالْأَوْلَادُ يَخْدُمُونَ الْأَهْلَ وَهَكَذَا.
فَإِذَا خَالَطْتَ النَّاسَ وَصَبَرْتَ عَلَى خِدْمَتِهِم وَأذَاهُم تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِيثِ أفْضَلِ الْـخَلْقِ ﷺ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ويَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُم أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُم" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
فَإِذَا كُنْتَ فِي بَيْتِكَ لَا تَكُنْ مِـمَّنْ يُكْثِرُ الطَّلَبَ مِـمَّنْ حَوْلَهُ وَلَا تَقُلْ نَاوِلُونِي، أَعْطُونِي، اجْلِبُوا لِي وَأَنْتَ مُسْتَلْقٍ، بَلْ عَاوِنْهُمْ كَمَا كَانَ حَالُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَقُومُ بِحَاجَاتِهِ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَنَّه كَانَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ ﷺ. وَقَدْ قَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "كَانَ ﷺ يَخِيطُ ثَوْبَهُ (أَيْ يَرْقَعُهُ) وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ (أَيْ يَـخِيطُهَا) وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِم". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ويَحْلِبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ". فالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَّمَنَا أَنْ نَتَوَاضَعَ مَعَ أهْلِنَا وَأَنْ نُخَالِفَ أَنَفُسَنَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تُحِبُّ التَّرَفُّعَ، والتَّوَاضُعَ مَطْلُوبٌ. فالرَّجُلُ إِذَا خَدَمَ نَفْسَهُ وَخَدَمَ زَوْجَتَهُ فِي الْبَيْتِ بَدَلَ أَنْ يَنْتَظِرَ خِدْمَتَهَا هَذَا عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا التَّوَاضُعَ والتَّطَاوُعَ مَعَ إِخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا الْعَمَلَ فِي خِدْمَةِ أهْلِ الْإيمَانِ.