الأفضل لك

قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ سورة البقرة

الأفضل لك

الأفضل لك الدعاء بحسنتي الدنيا والآخرة

الأفضلُ لَكَ الدُّعَاءُ بِحَسَنَتَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ أَوْ بِالْجُمُعَةِ: "رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" بَلْ كَانَ ذَلِكَ شَأْنَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ الضِّيقِ، وَعِنْدَ الْكَرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: "اللَّهُمَّ ءاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".

"رَبَّنَا" نِدَاءٌ فِيه إقْرَارٌ بالرُّبُوبِيَّةِ‏ وَالْأُلُوهِيَّةِ للهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى الأُلُوهِيَّةِ أَنَّ اللهَ هُوَ الْخَالِقُ لجَمِيعِ مَا سِوَاهُ، هُوَ الَّذِي أَوْجَدَ الْعَالَمَ كُلَّه بَلَا اسْتِثْنَاءٍ، أَيْ أَنَّ جَمِيعَ مَا سواهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا ثُمَّ صَارَ مَوْجُودًا، هَذَا مَعْنَى الأُلُوهِيَّةِ.
"ءاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً" سُؤَالٌ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا كُلِّهِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وَعِبَارَةٍ، فَجَمَعَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ كُلَّ خَيْرٍ يَتَمَنَّاهُ الْعَبْدُ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي الدُّنْيَا تَشْمَلُ كُلَّ مَطْلُوبٍ دُنْيَوِيٍّ، مِنْ عَافِيَةٍ، وَدَارٍ رَحْبَةٍ، وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ،‏ وَرِزْقٍ وَاسِعٍ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ، وَمَرْكَبٍ هَنِيءٍ، وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيه عِبَارَاتُ الـمُفَسِّرِينَ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: "فَجَمَعَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ كُلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا، وَصَرَفَتْ كُلَّ شَرٍّ".
"وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً" أَمَّا الْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ فَأَعْلَى ذَلِكَ دُخُولُ الجَنَّةِ، وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْأَمْنِ مِنَ الْفَزَعِ الْأكْبَرِ فِي الْعَرْصَاتِ، وَتَيْسِيرِ الْحِسَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الصَّالِحَةِ. وَأَمَّا النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ فَهُوَ يَقْتَضِيَ تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيَا، مِنَ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ وَالْآثَامِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ وَالْحَرامِ. ولَمَّا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ الْمُبَارَكُ جَامِعًا لِكَلِّ مَعَانِي الدُّعَاءِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَانَ أَكْثَرَ أدْعِيَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أُعْطِيَ حَسَنَةَ الدُّنْيَا سَعِدَ فِيهَا، وَإِذَا أُعْطِيَ حَسَنَةَ الْآخِرَةِ فَازَ فِيهَا، وَإِذَا وُقِيَ النَّارَ كَانَ فَوْزُهُ بالجَنَّةِ بَلَا عَذَابٍ قَبْلَهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ ثَابِتًا قَالَ لَهُ: إِنَّ إِخْوَانَكَ يُحِبُّونَ أَنْ تَدْعُوَ لِهُمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَتَحَدَّثُوا سَاعَةً، حَتَّى إِذَا أَرَادُوا الْقِيَامَ، قَالَ: يا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّ إِخْوَانَكَ يُرِيدُونَ الْقِيَامَ فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَنْ أُشَقِّقَ لَكُمُ الْأُمُورَ، إِذَا ءَاتَاكُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَوَقَاكُمْ عَذَابَ النَّارِ، فَقَدْ ءَاتَاكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ.