عقيدة المسلم

"قال الله تعالى: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١١﴾ سورة الشورى

عقيدة المسلم



القول في الرؤية

والرؤْيةُ حَقٌّ أي أن رؤية الله ثابتة يجبُ الإيمانُ بِها لأهْلِ الجَنَّةِ أي للمؤمنينَ في الآخِرةِ بِغَيرِ إحاطَةٍ أي يَرَونَهُ مِن دُونِ أَنْ يَحُدُّوهُ، مِنْ دُونِ أَنْ يُحِيطُوا بِهِ لأنَّ الإحاطةَ بهِ مستحيلةٌ، وَلا كَيفيَّةٍ أي مِنْ دُونِ أَنْ يُدرِكُوا لَهُ شَكلاً وَلا هَيئَةً لأَنَّهُ مَوجُودٌ لا يَشبِهُ شَيئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ كَمَا نَطَقَ أي جاء بِهِ كِتَابُ رَبِّنَا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي تَرى ربَّها ذلكَ اليوم، وهذهِ الوجوهُ عبارةٌ عنِ المؤمنينَ وَتَفسِيرُهُ لهذا النص القرءاني عَلى حسب مَا أرَادَهُ اللهُ تَعَالى معنًى بكلامِه وَعَلِمَهُ أيْ وعلى حسَبِ ما علمه. وَكُلُّ مَا جَاءَ في ذلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الصَّحيحِ الثابتِ عَنِ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَهُوَ كما قالَ رسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وَمَعنَاهُ على ما أرادَ عليه الصلاة والسلام لا نَدخُلُ في ذلكَ مُتَأوِّلينَ بِآرائِنَا أي بلا دليلٍ عقليٍّ قطعيٍّ ولا دليلٍ سمعيٍّ ثابتٍ وَلا مُتَوَهِّمِين بِأهوائِنَا أي ولا متصورين بأوهامنا فإنهُ مَا سَلِمَ في دِيْنِهِ عن هوى النفس إلا مَنْ سَلَّمَ الأمر كله للهِ عَزَّ وجَلَّ فيما لا يمكنه دركه ولرسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فالسَّلامةُ في التَّسليمِ للهِ ولرسولِه أيِ اعتقادِ أنَّ ما جاءَ في الشرعِ منْ أمورِ الدِّينِ فهو على حسَبِ ما أرادَ اللهُ تعالى ورسولُه أي ليس مبنيًا على التوهم والتصور وَرَدَّ عِلمَ ما اشتَبَهَ عليهِ إلى عَالِمِهِ أي أن الذي اشتبه عليه فهم شىء منَ الأمورِ المتعلقةِ بالآخرةِ وغيرِها يرجع بها أي إلى أهلِ العلمِ الراسخينَ.
وَلا تَثبُتُ قَدَمٌ في الإِسْلامِ إلا على ظَهرِ التَّسْليمِ والاستِسْلامِ أي لا يصح الثبات على الإسلام إلا لمن سلّم لله تعالى ولم يعترض عليه ولم يصفه بما لا يليق به، فالإسلام هو الانقياد ولا يتحقق إلا بالتسليم وهو الرِّضى بما جاءَ عنِ اللهِ تعالى والاستسلامِ وهو الانقيادُ للشرعِ أيْ قَبولُ ما جاءَ فيهِ منَ العقائدِ والأحكامِ وترك الاعتراض على أحكامه وحكمه. فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ أي أنَّ منْ طلبَ أنْ يَعلمَ ما مُنعَ عنهُ علمُهُ وَلَمْ يَقنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ أي بتسليمه إلى عالمه حَجَبَهُ مَرَامُهُ أيْ مطلوبُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ وَصَافِي المَعْرِفَةِ أي ولا يتهيأ له صفاء المعرفة بالله وَصَحِيحِ الإِيمانِ أي لأن خلوص العبد مشروطٌ بتسليمِ ذلكَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالإِقْرارِ وَالإِنْكارِ موسوِسًا تائهًا شاكًّا زائغًا مائلاً عنِ الحقِّ إلى الباطلِ لا مؤمنًا مصدِّقًا ولا جاحدًا مكذِّبًا فيكونُ مضطربًا مؤمنًا ببعضٍ وكافرًا ببعضٍ، لا كالكافرِ المعلنِ كفرَه ولا كالمؤمنِ الذي صَدَقَ في الإيمانِ وءامنَ عنْ حقيقةٍ.
ولا يصِحُّ الإِيمانُ بالرؤيةِ لأهلِ دارِ السَّلامِ أي الجنة لمنِ اعتبرَها منْهُم بوَهْمٍ أو تَأَوَّلهَا بفهم أي مَنِ اعتبرَ الرؤيةَ بوهمه على غيرِ الوجهِ المشروحِ المتقدِّمِ ذكرُهُ الذي هو معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ فهو غيرُ مصدِّقٍ بهِ كمَا أُمِرَ. إذْ كانَ تأويلُ الرؤيةِ وتأويلُ كلِّ معنًى يضافُ إلى الرُّبوبيَّةِ بتركِ التَّأويلِ أي بترك التأويل الذي هو بعيدٌ عنِ الحقِّ والإصابةِ، ولا يعني التأويلَ الذي يفعلُه أهلُ السُّنةِ إنْ كانَ إجماليًّا أو كان تفصيليًّا، ويُقوِّي كونَ مُرادِ الطَّحاويِّ بنفيِ التأويلِ ليسَ مُطلقَ التَّأويلِ قولُه "من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر" أليس هذا معناه نفي الحركة والسكون والتنقل وغير ذلك من صفات البشر عن الله. ولزومِ التَّسليمِ وعليهِ دِينُ المسلمينَ.
وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ أي أن من لم يجتنب نفي الرؤية التي أثبتها الشرع وَالتَّشبِيهَ أي ولم يجتنب التشبيه الذي هو خلاف العقل والنقل زَلَّ أي عن الحق ووقع في الباطل وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ أي فَقَدَ وحُرِمَ التنْزِيهَ أي تنْزيهَ اللهِ عنِ مشابهةِ خَلْقِهِ. فَإنّ رَبَّنا جَلَّ وَعَلا مَوصُوفٌ بِصِفاتِ الوَحْدَانِيَّة التي تَنفِي عنِ اللهِ تعالى المشابهةَ لغيرِه مَنعُوتٌ بِنُعُوتِ الفَرْدَانِيَّةِ والوَحدانيةُ والفَردانيةُ مترادِفانِ، وَإِنَّمَا عبَّرَ بالعِبارةِ الثانيةِ لتأكيدِ العبارةِ الأُولى. لَيسَ في مَعنَاهُ أَحَدٌ مِنَ البَرِيّةِ أيْ ليسَ في صفاتِه تعالى أحدٌ منَ الخلقِ، وَتَعَالَى عَنِ الحُدُودِ أيْ أنَّ اللهَ تعالى ليسَ لهُ حدٌّ والحدُّ معناه نهايةُ الشىءِ، فلا يجوزُ عليهِ الحدودُ والمِساحةُ والمِقدارُ، فنفيُ الحدِّ عنهُ عبارةٌ عنْ نَفيِ الحجمِ، والغاياتِ أي النِّهايات وهذا مِنْ صِفاتِ الأجسامِ، والأركانِ أي الجوانب، والأَعضاءِ جمعُ عُضْوٍ وذلك مِنْ خَصائصِ الأجسامِ، والأدواتِ أيِ الأجزاءِ الصغيرة كالْلَّهَاةِ واللسان. لا تَحوِيهِ الجِهاتُ السِّتُّ أيْ لا تُحيطُ بهِ الجهاتُ السِّتُّ وهيَ فوقُ وتحتُ ويمينٌ وشِمالٌ وأمامٌ وخَلْفٌ كسائر المبتدعات أي كما تحوي جميع المخلوقات، إذ المخلوقات لا تخلو من التحيز في إحدى الجهات الست لأنَّ الحادث لا بد أن يكون بمكان. وهذا لا يصح إلا لِمَنْ هو جِرْمٌ. فاللهُ سبحانَه وتعالى ليسَ داخلَ العَالَمِ وليسَ خارجَهُ وليسَ مُتَّصِلاً بهِ أو منفصِلاً عنه، لأنَّه لوْ كانَ كذلكَ لَكانَ لهُ أمثالٌ لا تُحْصَى، وهو سبحانَه نفَى عنْ نفسِه المماثلةَ لشىءٍ بقولِه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾(11).

عقيدة المسلم

عقيدة المسلم