عقيدة المسلم

"قال الله تعالى: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١١﴾ سورة الشورى

عقيدة المسلم



القول في أفعال العباد

وَأَفْعَالُ العِبَادِ أي كُلُّها خَلْقُ اللهِ وَكَسْبٌ مِنَ العِبَادِ أي الأفعالُ الاختياريةُ تَقَعُ كَسْبًا للعبدِ وخَلْقًا منَ اللهِ تعالى، وَلَمْ يُكَلّفْهُمُ اللهُ تَعَالى إلاَّ مَا يُطِيقُونَ، وَلا يُطَيَّقُونَ أي لا يُلْزَمُونَ إلا مَا كَلَّفَهُم أي اللهُ بهِ، وليسَ معناها أنَّ العِبَادَ لا يَستطيعونَ أنْ يَفعلُوا سوى ما كَلَّفَهُمُ اللهُ بهِ، والواقعُ أنَّ العِبادَ قادِرونَ على أنْ يُخالفُوا ما كَلَّفَهُمُ اللهُ بهِ وذلكَ حَالُ أكثرِ البَشَرِ. وَهُوَ تَفْسِيرُ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ نَقُولُ: لا حِيْلَةَ لأَحَدٍ وَلا حَرَكَةَ لأَحَدٍ وَلا تَحَوُّلَ لأَحَدٍ عَنْ مَعْصِيةِ اللهِ إلا بِمَعُونَةِ اللهِ أيْ إلاَّ بعِصمتِهِ وَلا قُوَّةَ لأَحَدٍ عَلَى إقَامَةِ طَاعَةِ اللهِ وَالثَّبَاتِ عَلَيهَا إلا بِتَوفِيقِ اللهِ أي العبدُ مُحتاجٌ إلى اللهِ في الأَمْرَيْنِ: في التَّحَفُّظِ عنِ المعاصِي والقُدْرَةِ والتَّمَكُّنِ على الطَّاعاتِ. وَكُلُّ شَىءٍ أيْ أنَّ كلَّ عملٍ يَعْمَلُهُ ابنُ ءادمَ وغيرَ ذلك مِمَّا يَدخُلُ في الوجودِ مِنْ أَعيانٍ وأعراضٍ يَجْرِي بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالى وَعِلْمِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أي لا يَحْصُلُ شىءٌ مِنَ العَالَمِ إلا بهذهِ الصِّفاتِ الأَرْبَعِ غَلَبَتْ مَشِيئتُهُ المَشِيئَاتِ كُلَّهَا أيْ لا يَتَنَفَّذُ شىءٌ منْ مشيئاتِ العِبادِ إلا أنْ يشاءَ اللهُ نُفُوذَها، وغَلَبَ قَضَاؤُهُ الحِيَلَ كُلَّها أي أنَّ حِيَلَ العِبادِ لا تُوصِلُ إلا إلى ما قَضَى اللهُ تباركَ وتعالى، فَمَا لم يَقْضِ اللهُ تباركَ وتعالى، أيْ ما لم يَخْلُقْهُ، لا تَنْفُذُ الحِيَلُ فيهِ. يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ أي بدليل قولُهُ تعالى: ﴿فعالٌ لِمَا يُرِيد﴾، وَهُوَ غَيرُ ظَالِمٍ أَبَدًا تَقَدَّسَ أي تنـزَّهَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَحَيْنٍ أيْ ظُلْمٍ، وَتَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَشَيْنٍ أَيْ نَقْصٍ.
﴿لا يُسْأَلُ﴾ أي الله ﴿عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ﴾ أي العباد ﴿يُسْأَلُونَ﴾ أي عما يفعلون (23) [الأنبياء]. وَفي دُعَاءِ الأَحيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ مَنفَعَةٌ لِلأَمْوَاتِ أي لأموات المسلمين بالإجماعِ، وكذلكَ قِراءَةُ القُرءانِ على القبرِ تَنفعُ الميِّتَ. وَاللهُ تَعَالى يَسْتَجِيبُ الدَّعَوَاتِ وَيَقْضِي الحَاجَاتِ أي فضلا منه وكرما لا وجوبا، فلَوْ لَم يَستجبْ لم يَكُنْ ذلك ظُلْمًا، لكنَّه أَخبرَ بأنه يَستجيبُ فَلا يَتَخَلَّفُ كَلامُهُ، لكنَّه يَستجيبُ ما شاءَ أنْ يُعْطِيَهُ للعِبادِ وليسَ كُلَّ ما يَطْلُبُونَ. وَيَملِكُ كُلَّ شَىءٍ أي أن الله تعالى مالك كل شىء قال الله تعالى: ﴿له ملك السموات والأرض﴾ وَلا يَملِكُهُ شَىءٌ لأن المالك لا يصير مملوكًا، وَلا غِنَى عَنِ الله تَعَالى طَرفَةَ عَيْنٍ أي أنَّ كُلَّ شىءٍ يَحتاجُ إلى اللهِ تعالى لأنَّهُ هو الذي أَوجَدَهُ، وَمَنْ [زَعَمَ أَنَّهُ] اسْتَغنَى عَنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَقَد كَفَرَ أي من زعم أنه غير محتاج إلى الله فقد كفر، لأن الافتقار صفة لازمة للعبد والغنى صفة للرب وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الحَيْنِ أي من أهل الهَلاكُ، فإن الكافر مخلد في العذاب الشديد وأي هلاك أشد من هذا؟! .

عقيدة المسلم

عقيدة المسلم