جهنم... أتَقْوَى على عذابها!

قال الله تعالى: أَلَم يَعلَموا أَنَّهُ مَن يُحادِدِ اللَّـهَ وَرَسولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدًا فيها ذلِكَ الخِزيُ العَظيمُ ﴿٦٣﴾ سورة التوبة

جهنم... أتَقْوَى على عذابها!

إن شجرت الزقوم طعام الأثيم

إن شجرت الزقوم طعام الأثيم

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَالَ عَزَّ مِنْ قائِلٍ فِي كِتابِهِ العَزِيزِ مُخْبِرًا عَمَّا يُعَذِّبُ بِهِ الكَافِرِينَ: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ [سورَة الدُّخَانِ]. لَقَدْ دَلَّ اَلْقُرْءَانُ الكَرِيمُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ النّارِ يَأْكُلُونَ مِنْهَا حَتَّى تَمْتَلِئَ مِنْهَا بُطونُهُمْ، فتَغْلِي فِي بُطونِهِمْ كَمَا يَغْلِي الحَمِيمُ، وَهُوَ الْمَاءُ اَلَّذِي قَدْ انْتَهَى حَرُّهُ، ثُمَّ بَعْدَ أَكْلِهِمْ مِنْهَا يَشْرَبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الحَمِيمِ شُرْبَ الهِيْمِ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ﴾ والْأَثيمُ هوَ الفَاجِرُ الكَثيرُ الْآثَامِ وَأَكْبَرُ الْآثَامِ الشِّرْكُ والْكُفْرُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ.
﴿كَالْمُهْلِ﴾ وَهُوَ النُّحَاسُ الـمُذَابُ ﴿يَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ بُطُونِ الـمُشْرِكِينَ ﴿كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ [سورة الدُّخانِ] كَغَلْيِ الْمَاءِ الَّذِي بَلَغَ الغَايَةَ فِي الحَرَارَةِ. وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ مَنْظَرُهَا قَبِيحٌ جِدًّا وَرائِحَتُهَا كَرِيهَةٌ جِدًّا لَا تُطَاقُ لَكِنْ هُمْ مِنْ شِدَّةِ اضْطِرَارِهِمْ وَمِنْ شِدَّةِ جُوعِهِمْ وَحِرْمَانِهِمْ كَأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ بِدُونِ اخْتيارٍ، مَلائِكَةُ العَذَابِ يُطْعِمُونَهُمْ مِنْ هَذَا. قَالَ رَبُّنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ أَيْ أَنَّ نَعيمَ الجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الـمَلَذّاتِ والطَّعَامِ والشَّرَابِ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقومِ خَيْرٌ نُزُلًا؟ ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ﴾ أَيْ مِحْنَةً وَعَذَابًا لَهُمْ فِي الآخِرَةِ، أَوْ ابْتِلَاءً لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا كَيْفَ يَكونُ فِي النّارِ شَجَرَةٌ والنَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ؟ فَكَذَّبُوا: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ كَمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما تَرْجُمانِ اَلْقُرْءانِ: أَنَّ شَجَرَةَ الزَّقُومِ نَابِتَةٌ فِي أَصْلِ سَقَر. وَرُوِيَ عَنْ الحَسَنِ أَنَّ أَصْلَها فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ وَأَغْصَانُها تَرْتَفِعُ إِلَى دَرَكَاتِهَا. ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ هوَ تَشْبِيهٌ وَالـمُرَادُ مِنْهُ إِظْهارُ البَشَاعَةِ وَقُبْحِ الـمَنْظَرِ. وَقَالَ مُجاهِدٌ تِلْميذُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَلَوْ وَقَعَتْ مِنْهَا قَطْرَةٌ فِي الأَرْضِ لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ مَعايِشَهُمْ.