كتاب الروائح الزكيّة في مولد خير البرية

أقسام البدعة

قالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ1: "قَوْلُهُ قالَ عُمَرُ: "نِعْمَ البِدْعَةُ" في بَعْضِ الرِّواياتِ "نِعْمَتِ البِدْعَةُ" بِزِيادَةِ التَّاءِ، وَالبِدْعَةُ أَصْلُها ما أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثالٍ سابِقٍ، وَتُطْلَقُ في الشَّرْعِ في مُقابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً، وَالتَّحْقِيقُ إِنْ كانَتْ مِـمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَحْسَنٍ في الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَإِنْ كانَتْ مِـمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ في الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الـمُبَاحِ، وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الأَحْكامِ الخَمْسَةِ" اهـ. وَمُرادُهُ بِالأَحْكامِ الخَمْسَةِ: الفَرْضُ وَالـمَنْدُوبُ وَالـمُبَاحُ وَالـمَكْروهُ وَالحَرامُ. فَإِنْ قالَ قائِلٌ: إِنَّ قَوْلَ عُمَرَ: "نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ" أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَلَيْسَتِ البِدْعَةَ الاصْطِلاحِيَّةَ مُدَّعِيًّا أَنَّ البِدْعَةَ الشَّرْعِيَّةَ لا تَكونُ إِلَّا مَرْدُودَةً فَالجَوابُ: كَذَبَ وافْتَرى قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ [سُورَةَ الحَدِيدِ/27] الآية، مَدَحَهُمْ بِـها ثُمَّ ذَمَّ الآخَرِينَ الَّذِينَ قَلَّدُوهُمْ مَعَ الشِّـرْكِ.


وَقالَ ابنُ عابِدِينَ في رَدِّ الـمُحْتارِ6 ما نَصُّهُ: "فَقَدْ تَكونُ البِدْعَةُ واجِبَةً، كَنَصْبِ الأَدِلَّةِ لِلرَّدِ عَلَى أَهْلِ الفِرَقِ الضَّالَّةِ، وَتَعَلُّمِ النَّحْوِ الـمُفْهِمِ لِلكِتابِ وَالسُّنَّةِ، الصَّحابَةُ ما كَانُوا يَـحْتَاجُونَ للنَّحْوِ لِأَنَّ لُغَتَهُمْ مُوافِقَةٌ لِلنَّحْوِ، بِدونِ دِرَاسَةِ النَّحْوِ لُغَتُهُمْ تُوَافِقُ النَّحْوَ. الَّذِين كَانُوا أُمِّيِّيـنَ مِنَ الصَّحابَةِ كانَ نُطْقُهُمْ بِلُغَتِهِمْ مُوَافِقًا للنَّحْوِ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا النَّحْوَ ثُمَّ عِنْدَما اخْتَلَطَ العَرَبُ وَالعَجَمُ تَغَيَّـرَتِ اللُّغَةُ فَصارَ اللَّحْنُ شائِعًا في أَفْوَاهِ الـمُسْلِمينَ العَرَبِ وَالعَجَمِ وَغَيْـرِهِمْ فَصارَ تَعَلُّمُ النَّحْوِ فَرْضًا عَلَى الكِفايَةِ. وَأَمَّا مَنْ يَقْرَأُ الحَدِيثَ فَمَعْرِفَتُهُ بِالنَّحْوِ فَرْضُ عَيْنٍ لِأَنَّهُ إِذا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ وَأَرادَ أَنْ يَقْرَأَ حَدِيثًا مِنْ أَحادِيثِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ كِتابٍ قَدْ يَقْرَؤُهُ عَلَى ما يُغَيِّرُ مَعْنَى الحَدِيثِ فَيَكُونُ كَذَبَ عَلَى الرَّسُولِ. فالَّذِي لَـمْ يَتَعَلَّمِ النَّحْوَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الحَدِيثَ إِلَّا أَنْ يَجِدَ كِتَابًا مَضْبوطًا حُروفًا وَشَكَّلَهُ، الْضَمَّة وَالْفَتْحَة وَالْكَسْرَة وَالسُّكون، وَالَّذِي ضَبَطَهُ يَكونُ عالِمًا ثِقَةً فَإِنْ حَصَلَ عَلَى هَذَا الكِتابِ مِنْ كُتُبِ الحَدِيثِ يَجُوزُ قِراءَتُهُ فَيَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ كَذَا وَكَذَا، لِأَنَّ اللُّغَةَ العَرَبيَّةَ الكَلِمَةَ الواحِدَةَ تَكونُ مَضْمومَةً وَمَفْتوحَةً ومَجْرورَةً عَلَى حَسَبِ الـمَعاني.


1- فتح الباري (253/4).
6- رد المحتار على الدر المختار (560/1).