وفيهِ شفاءٌ للناسِ مِنْ كثيرٍ مِنَ الأمراضِ، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى في القرءانِ الكريمِ في وصفِ النحلِ: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل / 69].
وجاءَ في الحَديثِ الذي رواهُ البخاريُّ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللهُ عنهُ: أنَّ رجُلًا أَتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: "أخي يَشتَكي بَطْنَهُ"، أي هو مريضٌ ووجعُهُ في بَطْنِهِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» أي اسقِهِ عسلَ النَّحلِ؛ فإنَّ فيه شفاءً كما قالَ اللهُ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [سورة النحل/ 69]، أيْ من أَدواءٍ تَعرِضُ لهم، فسَقَى الرجُلُ أخاهُ عسلًا ثلاثَ مراتٍ فلمْ يَبرَأْ، فقالَ بعدَ المرَّةِ الثالثةِ: قدْ فعلتُ؟ أي: قد فعلتُ ما أَمرتني بهِ وسقَيْتُهُ عسلَ النَّحلِ ولكنَّه لم يبرَأْ، فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «صدَقَ اللهُ، وكذَبَ بَطْنُ أخيكَ، اسقِهِ عَسَلًا»، أي صدَقَ اللهُ فيما قالَهُ عن عَسلِ النَّحلِ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾، وكذَبَ بطنُ أخيكَ؛ لأنَّه لم يَستجِبْ للدَّواءِ في المرَّاتِ السابِقةِ فيَحْتاجُ إلى جُرُعاتٍ أُخرى، فكرَّرَ: اسْقِهِ عَسلًا مرةً رابعةً، "فَسَقاهُ فَبَرَأَ"، وإنما قالَ له النبيُّ ذلكَ لأنهُ كانَ يناسبُهُ العسلُ، فظهَر صِدقُ اللهِ وصِدقُ رَسولِهِ فيما أَخبرَ بهِ، ولكنَّ الشفاءَ لهُ أسبابٌ لا بدَّ مِن الأخْذِ بها، كتعدُّدِ جُرعاتِ الدَّواءِ الكافيةِ للقَضاءِ على المرضِ. وفي الحديثِ: الأخذُ بالأسبابِ والسُّبُلِ المؤدِّيةِ إلى الشِّفاءِ مِنَ الأمراضِ. وفيه لزومُ تَصديقِ كلِّ ما أخبَر اللهُ عزَّ وجلَّ بِه.
وكانَ النبيُّ الأعظمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يحبُّ العسلَ ويشربُ كلَّ يومٍ قدحَ عسلٍ ممزوجًا بالماءِ على الريقِ، يتناولُ كوبًا مِنَ الماءِ مذابًا فيهِ ملعقةٌ مِنْ عسلِ النحلِ ويُذِيبُها إذابةً جيدةً، وذلكَ حينما كانَ يستيقظُ مِنْ نومِهِ وبعدَ فراغهِ مِنَ الصلاةِ وذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وهذهِ فيها حكمةٌ عجيبةٌ وسرٌّ بديعٌ في حفظِ الصحةِ والقوةِ، وقد ثبتَ في الطبِّ الحديثِ عظيمُ فائدتِها للصحةِ.
وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يراعي صفاتِ الأطعمةِ وطبائعِها واستعمالِها على الوجهِ اللائقِ بها على قاعدةِ الطبِّ، كما كانَ يغتذي في طعامهِ بخبزِ الشعيرِ معَ الملحِ والخلِّ ونحوِهما، وكانَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في حياتهِ يراعي في حفظِ صحتهِ أمورًا فاضلةً جدًّا كشربِ ماءِ العسلِ على الريقِ، وفي النهايةِ لا نملكُ إلا أن نقولَ قالَ اللهُ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ [سورة الأحزاب /21].