أفضل نساء العالمين

قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴿٤٢﴾ سورة ءال عمران

أفضل نساء العالمين

السيدة مريم عليها السلام

السيدة الجليلة مريم عليها السلام

مريم الصدّيقة

أما بعدُ فأبتدئُ كلامي بِمَنْ وَصَفَها اللهُ تعالى في القرءانِ الكريم ِبالصّدّيقَةِ التي عَاشَتْ عيشَةَ الطُّهْرِ والنَّزاهَةِ والتَّقْوى، وفَضَّلَهَا اللهُ على نِساءِ العالَمينَ. مريمُ عليها السلامُ اللهُ تباركَ وتعالى أثنى عليها في القرءانِ، بعثَ إليها ملكًا ليبشرَها. قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في القرءانِ الكريمِ: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة ءال عمران/ 42].

فقال لها الملكُ مبلغًا عن اللهِ: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ اخْتَارَكِ ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ مِنْ ملامسةِ الرجالِ ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)﴾ أي فضّلَكِ على نساءِ البشرِ، كانَتْ مريمُ عليها السلامُ تَعْبُدُ اللهَ تَعالى وتَقومُ بِخِدْمَةِ المسْجِدِ ولا تَخْرُجُ مِنْهُ إلا في زمَنِ حَيْضِها أو لِحاجَةٍ ضَرورِيَّةٍ لا بُدَّ مِنْها. وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" ومعنى الحديثِ ما وصلَ نهايةَ الكمالِ الذي يجوزُ للنساءِ أن يصلنَ إليهِ إلا هؤلاءِ الأربعةُ، ومن سوى الأربعةِ كمالُهُن ليسَ إلى ذلكَ الحدِّ لكنْ فيهِنَّ كاملاتٌ كثيرٌ. كما يَتضمَّنُ هذا الحديثُ فضْلَ مريمَ ابنةِ عِمرانَ، وءاسيةَ امرأةِ فرعونَ، وعائشةَ أُمِّ المؤمنينَ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فمريمُ عليها السلامُ أفضلُ النساءِ اللآتي قبلَها واللآتي في زمانِها واللآتي سيأتينَ إلى هذه الأمةِ إلى يومِ القيامةِ، هذا القولُ الصحيحُ.



أكرمها الله بهذه الكرامة

أما بعدُ فإنَّ أفضلَ نساءِ العالمينَ على الإطلاقِ السيدةُ الجليلةُ مريمُ عليها السلامُ أُمُّ سيدِنا عيسى عليهِ السلامُ، كانت مسلمةً مؤمنةً إيمانًا كاملًا تقومُ بالعبادةِ ليلَها ونهارَها، حتى صارتْ يُضرَبُ بها المثلُ بالعبادةِ والطاعةِ في بني إسرائيلَ.

ولقد اشتهرتْ هذه السيدةُ الطاهرةُ العفيفةُ بما ظهرَ عليها مِنَ الأحوالِ الكريمةِ والصفاتِ الشريفةِ، كانت تبقى في المحرابِ تُصلي وتأتِيها فاكهةُ الشتاءِ في الصيفِ وفاكهةُ الصيفِ في الشتاءِ كرامةً لها. اللهُ سبحانَهُ وتعالى أكرمَها بهذهِ الكرامةِ قالَ تعالى﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)﴾ [سورة ءال عمران].
كانَ نبيُّ اللهِ زكريا عليهِ السلامُ إذا دخلَ على مريمَ عليها السلامُ في المحرابِ وهو معبدُها الذي تعبُدُ فيهِ اللهَ تعالى وهو سيدُ المجالسِ وأشرُفها في المسجدِ يجدُ عندَها مِنَ الرزقِ وهو الفاكهةُ ما لا يُوجدُ مثلُهُ في البلدِ أو عندَ سائرِ الناسِ، فقد كانَ يجدُ عندَها فاكهةً في غيرِ حينِها، فاكهةَ الصيفِ في الشتاءِ وفاكهةَ الشتاءِ في الصيفِ، وهذهِ مِنَ الكراماتِ التي يُكرمُ اللهُ تعالى بها أولياءَهُ.
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾ أي مِنْ غيرِ كسبٍ ولا تعبٍ، بل رزقٌ ساقَهُ اللهُ إليها، وكرامةٌ أكرمَها اللهُ بها، فيقولُ لها زكريا ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي فضلًا وإحسانًا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي مِنْ غيرِ حسبانٍ من العبدِ ولا كسبٍ، قالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب﴾.
اللهم اصلحْ أحوالَنا ويسّرْ أمورَنا واغفرْ ذنوبَنا واسترْ عيوبَنا واجعلَنا مِنْ عبادِكَ المتقينَ المخلصينَ.