نساء صالحات

قال الله تعالى: وَعَدَ اللَّـهُ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ وَرِضوانٌ مِنَ اللَّـهِ أَكبَرُ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ ﴿٧٢﴾ سورة التوبة

نساء صالحات



سمية بنت الخُبّاط

أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إسْلَامَهُ

فِي تِلْكَ الْأَثْنَاء، كَانَت سُـمَيَّةُ بِنْتُ خُبَّاطٍ أَمَةً بَسِيطَةَ الشَّأْنِ، مَغْمُورَةً، تَقُومُ عَلَى خِدْمَةِ سَيِّدِهَا أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، بَلْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ ذِكْرٍ فِي مَكَّةَ كُلِّهَا، فَقَدْ كَانَتْ امْرَأَةً كَبِيرَةً طَاعِنَةً فِي السِّنِّ، غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ رَاجِحَةَ الْعَقْلِ.

غَيْرِ أَنْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ سَهْلًا كَمَا نَتَصَوَّرُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَرْء حُرِّيَّةَ الاخْتِيَارِ، فَقَد رَأَى كِبَارُ الْقَوْمِ أَنْ الدِّيْنَ الْجَدِيدَ يُسَاوِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ وَيَدْعُو إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَالْعَدْلِ، وَالإِخَاءِ، فَثَارَتْ ثَوْرَتُهُمْ وَهَاجَتْ عُقُولُهُمْ، وَلَم يُفَكِّرُوا إلَّا فِي شَىْءٍ وَاحِدٍ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ الْمَخْرَجُ الْوَحِيدُ لِـمَأْزِقِهِمْ؛ أَلَا وَهُوَ التَّعْذِيبُ!



سُـمَيَّةُ... هَذَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ ذَكَرَ الفَيْرُوزآبَاديُّ صَاحِبُ الْقَامُوسِ أَنَّ سُمَيّةَ تَعْنِي "الجَبَلَ"، وَهَذَا مِنَ الْمُوَافَقَاتِ إذْ ثَبَتَتْ سُـمَيَّةُ وَالِدِةُ عَمَّارٍ فِي وَجْهِ الْمُشْرِكِينَ ثَبَاتَ الْجَبَلِ عَلَى ظَهْرِ الْفَلَاةِ.

فَسُمَيَّةُ، هَذَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ الثَّابِتُ، اسْمٌ لِهَذِهِ الصَّحَابِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي بَقِيَتْ ذِكْرَاهَا حَيَّةً عَاطِرَة بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَهَا اللهُ بِالشَّهَادَةِ فَفَازَتْ بِرِضْوَانِهِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِابْنِهَا عَمَّارٍ "ابنُ سُـمَيَّةَ" وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ الْمُبَارَكَةِ مِن تَكْرِيمٍ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ الصَّابِرَةِ الـمُحْتَسِبَةِ، وكثيرًا مَا تَرَدَّدَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



بَطَلَةُ الشُّهَدَاءِ سُميَّةُ بِنْتُ خُبَّاطٍ

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ رَوَينَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بإسْنَادٍ مُتَّصِلٍ أنَّ نَبيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ هَذَا الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَـا بَدَأَ فَطُوبـَى للغُـرَبَاءِ" اهـ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ أَي الـمُتَمَسِّكِينَ، بِمَا جَاءَ فِي شَرْعِ رَسُولِ اللهِ إذَا فَسَدَ النَّاسُ، عِنْدَمَا يَفْسُدُ النَّاسُ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بالشَّرْعِ غُرَبَاءُ وَهُمْ بَيْنَ أَهْلِيهِم، بَيْنَ أَصْدِقَائِهِم غُرَبَاءُ لأنَّهُم يَنْفُرُونَ مِنْهُم.



الْأُسْرَةُ اليَاسِرِيَّةُ

أَقَام يَاسِرٌ بِمَكَّةَ وَحِيدًا، غَيْر أنّ الْعَادَاتِ ءانَذَاكَ أَلْجَأَتْهُ إلَى بَنِي مَخْزُومٍ لِعَقْدِ الْحِلْفِ فحَالَفَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيَّ، وَعَاش فيِ كَنَفِهِ، ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ زَوَّجَهُ بِأَمَةٍ لَهُ هِيَ سُـمَيَّةُ بِنْتُ خُبّاطٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمَّارًا، فَأَعْتَقَهَا أَبُو حُذَيْفَةَ.



صَبْرًا ءالَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمُ الجَنَّةَ

قَلَّمَا يَذْكُرُ تَارِيخُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ امْرَأَةً صَبَرَتْ كسُـمَيَّةَ أُمِّ عَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَدْ كَانَ الصَّبْرُ شِعَارًا لَهَا رَغْمَ كِبَرِ سِنِّهَا، وَضَعْفِ جِسْمِهَا، فَقَد تَحَمَّلَتْ عَذَابَ أصحابِ الْقُلُوبِ الْقَاسِيَةِ قَسْوَةَ الْحِجَارَةِ، بَلْ إنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ مَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ،

وَلَكِنَّ الْحِقْدَ وَالْغَيْظَ اشْتَدَّ بِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ فَلَمْ يَقْدِرُوا إلَّا عَلَى الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِاللهِ، وَمِمَّا شَجَّعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَذَابِ الْمُسْتَضْعَفِينَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ قَبَائِلُ تَمْنَعُهُم أَو تَـحْمِيهِمْ، فَتَفَنَّنُوا فِي وَسَائِلِ تَعْذِيبِهِم،