نساء صالحات

قال الله تعالى: وَعَدَ اللَّـهُ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ وَرِضوانٌ مِنَ اللَّـهِ أَكبَرُ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ ﴿٧٢﴾ سورة التوبة

نساء صالحات

السيدة زينب رضي الله عنها

السيدة زينب رضي الله عنها

زَيْنَبُ كُبْرَى بَناتِ النَّبيِّ ﷺ

أَمَّا بَعْدُ فَحَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسولِ اللهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ زَوْجَتِهِ خَديجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا، وَهِيَ كُبْرَى بَناتِ النَّبيِّ ﷺ مِنْ الإِنَاثِ وَثَانِي أَوْلَادِهِ مِنْ الذُّكورِ وَالإِنَاثِ حَيْثُ إِنَّ القَاسِمَ وَالَّذِي يُكَنَّى بِهِ النَّبيُّ هوَ أَكْبَرُ أَبْنَائِهِ.



زَوَاجُ زَيْنَبَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ

الحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا الـمُصْطَفَى وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الشُّرَفاءِ.
وَفِي قِصَّةِ زَوَاجِ زَيْنَبَ بِنْتِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ ذَهَبَ أَبُو العَاصِ إِلَى النَّبيِّ ﷺ قَبْلَ البِعْثَةِ، وَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ ابْنَتَكَ الكُبْرَى زَيْنَبَ. فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ: "لَا أَفْعَلُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَها".



فِدَاءُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ لِزَوْجِهَا

أَمَّا بَعْدُ فَيَخْرُجُ أَبُو العَاصِ بْنُ الرَّبيعِ وَيُشَارِكُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَتَنْتَهي الـمَعْرَكَةُ فَيَقَعُ أَسِيرًا وَتَذْهَبُ أَخْبارُهُ إِلَى مَكَّةَ. فَتَسْأَلُ زَيْنَبُ: مَاذَا فَعَلَ أَبِي؟ فَيُقَالُ لَهَا: انْتَصَرَ الـمُسْلِمُونَ فَتَسْجُدُ شُكْرًا لِلّهِ.



أَخْبَرَ زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ رَسولَ اللهِ

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أُطْلِقَ سَرَاحُ أَبِي العَاصِ، وَعادَ إِلَى مَكَّةَ وَالشَّوْقُ إِلَى زَوْجَتِهِ يَمْلَأُ قَلْبَهُ، وَلَكِنْ ثَمَّةَ حُزْنًا وَهَـمًّا عَظِيمًا بَيْنَ جَوَانِحِهِ، وَلَمّا وَصَلَ إِلَى بَيْتِهِ وَجَدَ زَوْجَتَهُ الحَبِيبَةَ بِانْتِظَارِهِ، وَتَلاقَتْ العَيْنَانِ فَأَشاحَ بِنَظَرِهِ إِلَى الأَرْضِ والدُّمُوعُ تَمْلَأُ عَيْنَيْهِ،

ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ رَسولَ اللهِ ﷺ، حَيْثُ قَالَ: "لَقَدْ طَلَبَ أَبوكَ أَنْ أَرُدَّكَ إِلَيْهِ؛ فَالْإِسْلَامُ يُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فَلَا تَحِلِّينَ لِي، وَقَدْ وَعَدْتُهُ أَنْ أَدَعَكِ تَرْحَلِينَ إِلَيْهِ، وَمَا كُنْتُ لِأُخْلِفَ عَهْدِي".

-->

جِوارُ زَيْنَبَ لِأَبِي العَاصِ

أَمَّا بَعْدُ فَفِي جُمادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الهِجْرَةِ خَرَجَ أَبُو العَاصِ تَاجِرًا إِلَى الشّامِ بِمَالِهِ، وَبِمالٍ كَثيرٍ لِقُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَجَعَ لَقِيَتْهُ عِنْدَ مِنْطَقَةِ نَاحِيَةِ الْعِيصِ عَلَى بُعْدِ أَرْبَعَةِ لَيالٍ مِنْ الـمَدينَةِ الـمُنَوَّرَةِ سَرِيَّةٌ أَمِيرُها زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ، فَأَخَذُوا القَافِلَةَ وَأَسَرُوا نَاسًا كَانُوا فِيهَا وَأَعْجَزَهُمْ أَبُو العَاصِ هَارِبًا، فَقَدِمُوا بِمَا أَصَابُوا، وَأَقْبَلَ أَبُو العَاصِ فِي اللَّيْلِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ،



رَدُّ النَّبيِّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ إِلَى زَوْجِها أَبِي العَاصِ

ذَهَبَ أَبُو العَاصِ بْنُ الرَّبيعِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي مَالِ مَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ؟ قَالُوا: لَا، فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، واللهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الإِسْلامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَكْلَ أَمْوالِكُمْ. .

ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسولِ اللهِ ﷺ. وَلَمّا أَسْلَمَ أَبُو العَاصِ بْنُ الرَّبيعِ ذَهَبَ إِلَى الـمَدِينَةِ الـمُنَوَّرَةِ، فَجْرًا وَتَوَجَّهَ إِلَى النَّبيِّ وَقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ أَجَرْتَنِي بِالْأَمْسِ والْيَوْمَ جِئْتُ أَقولُها صَادِقًا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسولُ اللهِ



وَفاةُ زَيْنَبَ بِنْتِ نَبيِّنا ﷺ

أَمَّا بَعْدُ فَلَمْ تَمْكُثْ زَيْنَبُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا بَعْدَ عَوْدَةِ زَوْجِها إِلَيْهَا طَوِيلًا، لِأَنَّهَا تُوُفِّيَتْ فِي الْعَامِ الثّامِنِ مِنْ الهِجْرَةِ، بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ هَذِهِ الحَادِثَةِ. فَبَكَاهَا أبو العَاصِ بُكاءً شَدِيدًا حَتَّى رَأَى النّاسُ رَسولَ اللهِ يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَيُهَوِّنَ عَلَيهِ فَيَقُولُ لَهُ أبو العَاصِ: واللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عُدْتُ أُطِيقُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ زَيْنَبَ. وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وفاة النبيّ ﷺ.



كَانَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِثَالًا يُقْتَدَى بِهِ

كَانَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِثَالًا يُقْتَدَى بِهِ فِي الصَّبْرِ والْجِهادِ فِي سَبيلِ اللهِ، فَقَدْ نَشَأَتْ فِي بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَتَرَبَّتْ عَلَى الجِهِادِ وَالكَرَامَةِ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفَارِهَا، لَا سِيَّمَا أَنَّ ءَالَ بَيْتِ رَسولِ اللهِ ﷺ قَدْ نَذَرُوا نُفوسَهُمْ لِنُصْرَةِ دِينِ اللهِ مُنْذُ بِدايَةِ الدَّعْوَةِ الإِسْلاميَّةِ، وَوَجَدُوا مِنْ الـمُعَانَاةِ مَا وَجَدَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الـمُسْلِمِينَ فِي مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنْ السَّبَّاقينِ لِلْإِسْلَامِ،