لَقَدْ كَانَ الـمُسْلِمُونَ فِي الـمَاضِي كَثِيرِي السَّفَرِ وَالتَّرْحَالِ؛ لِأَغْراضِ التِّجارَةِ، وَالْحَجِّ، وَطَلَبِ العِلْمِ، وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى الإِسْلامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ حَياتِـهِمْ فِي البَادِيَةِ الَّتِي تَقْتَضِي السَّفَرَ والتَّنَقُّلَ مِنْ مَكانٍ إِلَى مَكانٍ ءَاخَرَ بَحْثًا عَنِ الكَلَأِ والْعُشْبِ.
وَمِنْ فَضْلِ السَّفَرِ أَنَّ صاحِبَهُ يَرَى مِنْ عَجائِبِ الأَمْصارِ، وَبَدائِعِ الأَقْطَارِ، وَمَحاسِنِ الآثَارِ، مَا يَزيدُهُ عِلْمًا بِقُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ، وَيَدْعُوهُ إِلَى شُكْرِ نِعْمَتِهِ، وَيَجْمَعُ الـمَكاسِبَ، وَيَسْمَعُ العَجَائِبَ، وَيَكْسِبُ التَّجارِبَ، وَقَدْ وَضَعَ الإِسْلامُ لَهُ ءَادَابًا. فالْيَوْمَ لَنَا وَقْفَةٌ مَعَ بَعْضِ هَذِهِ الآدَابِ الَّتِي يَحْرِصُ الـمُسْلِمُ الـمُسافِرُ أَنْ يُرَاعِيَهَا، مِنْهَا:
وَالاسْتِخارَةُ هِيَ طَلَبُ خَيْرِ الأَمْرَيْنِ، وَكَانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُها أَصْحابَهُ فِي الأُمورِ كُلِّها، وَالسَّفَرُ مِنْ أَهَمِّ الأُمورِ الَّتِي يُطْلَبُ لَـهَا الاسْتِخارَةُ والاسْتِشارَةُ؛ لِما يُلَاقِيهِ أَهْلُهُ مِنْ غُرْبَتِهِ عَنْهُمْ، وَلِمَا يُلَاقِيهِ هُوَ مِنْ أَهْوالٍ؛ فَعَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " كَانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخارَةَ فِي الأُمورِ كُلِّها؛ كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْءانِ، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَـرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَريضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: " اللّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي ديني وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أَمْرِي"، أَوْ قَالَ: "عاجِلِ أَمْرِي وَءَاجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّني بِهِ" قَالَ: "وَيُسَمِّي حاجَتَهُ".
اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ، غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لمشاهدة لائحة فيديوهات "ءاداب السفر" اضغط هنا