حَثَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَّى أَصْحابَهُ عَلَى الاسْتِعانَةِ بِالرَّفيقِ فِي السَّفَرِ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنَ الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ راكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ". وَقِيلَ: الرَّفيقُ قَبْلَ الطَّريقِ، وَاخْتَارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَفِيقًا فِي الـهِجْرَةِ، وَاحْتَجَزَهُ لِذَلِكَ، وَرافَقَهُمَا دَليلُ الطَّريقِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيْقِطَ.
وَمِنَ الأَفْضَلِ الاسْتِعانَةُ بِرَفيقٍ يُعينُهُ عَلَى أُمورِ دينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَيُذَكِّرُهُ إِذَا نَسِيَ، وَيُساعِدُهُ إِذَا تَذَكَّرَ قَالَ تَعَالَى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [سورَةَ الزُّخْرُفِ/6] وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الـمَرْءُ عَلَى دِينِ خَليلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلُ" وَمَعْنَاهُ انْتَقُوا وَاخْتَارُوا مَنْ تَتَّخِذونَهُ خَلِيلًا أَيْ صَديقًا، مَنْ كَانَ يَنْفَعُكُمُ لِدينِكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِـمُصادَقَتِهِ وَمَنْ لَا يَنْفَعُكُمْ فِي دينِكُمْ بَلْ يَضُرُّكُمْ فابْتَعِدوا عَنْهُ، أَيْ لَا تُصَادِقُوهُ. الإِنْسانُ يَهْلِكُ مِنْ طَريقِ الأَصْدِقَاءِ الأَشْرَارِ. الشَّخْصُ قَدْ يَكونُ قَرِيبًا مِنَ الاسْتِقامَةِ فَإِذَا بِهِ صاحَبَ إِنْسَانًا مِنْ شَياطينِ الإِنْسِ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبِهِ يَتْرُكُ الطَّاعَاتِ وَيَنْغَمِسُ فِي الفُجورِ.
وَهَذَا السَّفَرُ الوارِدُ فِي الحَديثِ: "الرَّاكِبُ شَيْطانٌ وَالرَّاكِبانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاثَةُ رَكْبٌ" لَيْسَ مُقَيَّدًا بِسَفَرِ اللَّيْلِ وَإِنَّـمَا حَذَّرَ مِنَ الوَحْدَةِ عِنْدَ السَّفَرِ بِاللَّيْلِ، وَلَكِنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى السَّيْرِ لَيْلًا لِأَنَّ الجَوَّ فِيه يَكونُ لَطيفَ الحَرارَةِ، يَعُمُّهُ الـهُدوءُ وَالسَّكينَةُ، بِعَكْسِ النَّهارِ الَّذِي تَشْتَدُّ حَرَارَتُهُ فَيَكُونُ أَكْثَرَ تَعَبًا، وَخَاصَّةً لِمَنْ يُسافِرُ فِي الصَّحْرَاءِ. فَفِي الحَديثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالدُّلْـجَةِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ". في هَذَا الحَديثِ يُرشِدُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الـمُسافِرَ إِلَى الوَقْتِ الـمُناسِبِ لِسَفَرِهِ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِالدُّلْـجَةِ" أَيِ السَّفَرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: السَّفَرُ آخِرَ اللَّيلِ؛ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى باِللَّيْلِ أَيْ تُقْطَعُ الـمَسافاتُ لَيْلًا أَسْرَعَ ما تُقْطَعُ نَـهارًا، وَأَنَّـهَا تُقَرَّبُ مَسافَتُها بِتَيْسيرِ الـمَشْيِ، وَقَطْعِ ما لَا يُرَى مِنْها. بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ قَالَ: تُطْوَى حَقيقَةً، وَيَنْزَوِي بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ فِي اللَّيْلِ، فَتَقْصُرُ عَلَيْهِ الـمَسافَةُ.
اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.

لمشاهدة لائحة فيديوهات "ءاداب السفر" اضغط هنا