فَفِي الحَديثِ الصَّحيحِ الَّذِي رَوَاهُ البُخاريُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ راكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ" وَمَعْنَى "مَا فِي الوَحْدَةِ" أَنْ يُسافِرَ الرَّجُلُ بِلَا رَفيقٍ لِأَنَّ الَّذِي يُسافِرُ وَحْدَهُ يَتَعَرَّضُ لِلْأَخْطَارِ. وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي البُخاريِّ "الرّاكِبُ شَيْطانٌ وَالرَّاكِبانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاثَةُ رَكْبٌ" أَيْ أَنَّ الَّذِي يَنْفَرِدُ فِي السَّفَرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَمَلُهُ هَذَا قَبيحٌ لَوْ كَانَ الـمُسافِرُ رَجُلًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ حَرامٌ. كَذَلِكَ الاثْنَانِ إِذَا سافَرا بِغَيْرِ عُذْرٍ يَكونُ سَفَرُهُمَا سَفَرًا غَيْرَ مَحْمودٍ وَلَيْسَ حَرَامًا.
كَمْ مِنْ أَوْلياءَ يَسيحونَ فِي البَراري مُنْفَرِدِينَ؟ كَثيرٌ. وَهَذَا أَحَدُ أَصْحابِ رَسولِ اللهِ كَانَ اسْـمُهُ سَفينَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ رَكِبَ ذَاتَ مَرَّةٍ مَرْكَبًا أَوْ سَفينَةً فِي البَحْرِ فَابْتَلَاهُ اللهُ بِأَنِ انْكَسَرَتِ السَّفينَةُ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُها هَذَا الصَّحابيُّ الجَليلُ، فَتَعَلَّقَ سَفينَةُ فِي لَوْحٍ مِنَ الخَشَبِ حَتَّى نَجّاهُ اللهُ تَعَالَى وَوَصَلَ إلى شَاطِئٍ يُطِلُّ عَلَى غابَةٍ. وَأَثْنَاءَ مَا كَانَ هَذَا الصَّحابيُّ الكَريمُ يَتَفَقَّدُ الـمَكانَ بِنَظْرَةٍ بَعْدَ أَنَّ حَمِدَ اللهَ عَلَى النَّجاةِ مِنَ الغَرَقِ فَإذا بِهِ يَرَى أَسَدًا مُفْتَرِسًا وَفِي لَحْظَةٍ بَدَأَ الأَسَدُ يَقْتَرِبُ مِنْ هَذَا الصَّحابيِّ الجَليلِ لِيَنَالَ مِنْهُ، فَإذا بِسَيِّدِنا سَفينَةَ يَنْظُرُ لِلْأَسَدِ وَيَقُولُ لَهُ: "عَلَى رَسْلِكَ يَا أَبَا الحَارِثِ أَنَا سَفينَةُ مَوْلَى رَسولِ اللهِ". الأَسَدُ كُنْيَتُهُ أَبُو الحَارِثِ، فَهَدَأَ الأَسَدُ وَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَدْ حَنَى لَهُ رَأْسَهُ يُحَرِّكُ لَهُ ذَنَبَهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ اتْبَعْنِي وَسَارَ مَعَهُ فِي الغابَةِ وَكَأَنَّهُ يَحْمِيهِ. اللهُ تَعَالَى جَعَلَ الأَسَدَ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّريقِ، الأَسَدُ هَمْهَمَ لَهُ وَمَشَى حَتَّى أَوْصَلَهُ إِلَى الطَّريقِ الَّذِي يُوصِلُهُ إِلَى طَريقِ البَرِّ، ثُمَّ وَدَّعَهُ الأَسَدُ بِالْإِشَارَةِ وَانْصَرَفَ، هَؤُلَاءِ لَـهُمْ حَالَاتٌ غَريبَةٌ.
سَفينَةُ مَوْلَى رَسولِ اللهِ يُكَنَّى بِــ "أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ"، وَيُلَقَّبُ بِسَفينَةَ، كَانَ عَبْدًا لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَـرَتْهُ ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدِمَ النَّبيَّ، فَسَمَّاهُ سَفينَةَ وَبِذَلِكَ اشْتُهِرَ، فَقِيلَ "سَفينَةُ مَوْلَى رَسولِ اللهِ" لِكَثْرَةِ مُلازَمَتِهِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَخِدْمَتِهِ.
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا.

لمشاهدة لائحة فيديوهات "ءاداب السفر" اضغط هنا