ءاداب السفر

قال الله تعالى: ﴿فَلَمّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَد لَقينا مِن سَفَرِنا هـذا نَصَبًا﴾
[سورة الكهف/٦٢].

ءاداب السفر

دعاء السفر

دعاء السفر

كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مِنْ أَحْرَصِ الصَّحابَةِ عَلَى تَعْليمِ هَدْيِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ، وَتَحْريضِهِمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ. فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قالَ: "سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالـخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الـمَنْظَرِ، وَسُوءِ الـمُنْقَلَبِ في الـمَالِ وَالأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَـهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: ءَايِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنا الـمَدينَةَ.
في هَذَا الحَديثِ يُعلِّمُ ابنُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بَعْضَ أَصْحابِهِ دُعاءَ السَّفرِ، فقدْ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا اسْتَوَى، أَيْ رَكِبَ وَاسْتَقَرَّ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِه خارِجًا مِنَ الـمَدينةِ إِلَى سَفْرٍ ما، كَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا، فَيَقولُ: اللهُ أَكْبَرُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا" فَجَعَلَهُ مُنْقادًا لَنا "وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ" فَما كُنَّا نُطِيقُ قَهْرَهُ وَاسْتِعْمالَهُ لَوْلَا تَسْخيرُ اللهِ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى إِيَّاهُ لَنا، "وَإنَّا إِلَى ربِّنا لَمُنْقَلِبونَ" فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَمَّا رَكِبَ مُسافرًا عَلَى هَذِهِ الذَّلولِ كَأَنَّهُ يَتَذَكَّرُ السَّفَرَ الأَخِيرَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيا وَهُوَ سَفَرُ الإِنْسَانِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذا ماتَ، وَحَمَلتْهُ النَّاسُ عَلَى أَعْناقِهِمْ، فَيَتَذَكَّرُ وَيقُولُ: "وَإِنَّا إِلَى ربِّنا لَمُنْقَلِبُونَ". ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى اللهِ ودَعاهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى" وَ"البِرُّ" أَيِ الطَّاعَةُ "وَالتَّقْوَى" أَيْ عَنِ الـمَعصيةِ فَيَمْتَثِلُ الأَوامِرَ وَيَجْتَنِبُ النَّوَاهِيَ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِنَ العَملِ ما يَرْضَى بِهِ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ تَـهْوينَ السَّفَرِ وَهُوَ تَيْسِيرُهُ، وَأَنْ يُقَرِّبَ لَهُ مَسافةَ ذَلِكَ السَّفَرِ.
"ءايِبُونَ" أَيْ نَحْنُ راجِعونَ مِنَ السَّفَرِ بِالسَّلامَةِ، "تائِبونَ" أَيْ مِنَ الـمَعصيةِ إِلَى الطَّاعةِ، "عابِدونَ لِرَبِّنا حامِدونَ" فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كُلِّ حالِهِ يَتَذَكَّرُ العِبادَةَ وَأَنَّهُ عَبْدٌ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَكانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا رَجعَ مِنْ سَفَرِهِ يَبْدَأُ بِأَهْلِهِ. يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، كانَ أَوَّلَ ما يَرْجِعُ يَدْخُلُ عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، لَمْ يَبْقَ مِنْ أَوْلادِهِ سِوَاها بَعْدَ وَفاتِـهِمْ.
وَمَعْنَى "الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ" الحَافِظُ، وَمَعْنَى "كَآبَةِ الـمُنْقَلَبِ" سُوءُ الانْقِلابِ وَمَعْنَى "وَمِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ" مِنَ النُّزُولِ بَعْدَ الرِّفْعَةِ، يَعْنِي مِنَ النُّقْصانِ بَعْدَ الزِّيادَةِ وَتَغيُّرِ الحالِ مِنَ الطَّاعةِ إِلَى الـمَعْصِيَةِ. وَمَعْنَى "وَعْثَاءِ السَّفَرِ" شِدَّةُ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فاغفرِ اللهمَّ لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
لمشاهدة لائحة فيديوهات "ءاداب السفر" اضغط هنا