أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

إذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ

إذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ

أما بعدُ فقد روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: "مَتَى السَّاعَةُ؟ "- أي متى تقعُ القيامةُ- فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: "سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ" وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "بَلْ لَمْ يَسْمَعْ" حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ:" أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟" قَالَ:" هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ" قَالَ:" فَإِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ". قَالَ: "كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟" قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " لذلك ترى الأطايبَ مِنَ الناسِ يعتزلونَ شيئًا فشيئًا، رؤوسُ الناسِ في هذا الزمنِ يسفلونَ والأراذلُ يرتفعونَ، أغلبُ المناصبِ هكذا.
وفي روايةٍ للبخاريِّ: " إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ " والْمُرَادُ مِنَ " الْأَمْرِ" جِنْسُ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ كَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كما في فتحِ الباري. ومِنَ المعلومِ أنَّ الوسادةَ تُعطى للإنسانِ لكي يتكئَ عليها، والأصلُ أن تتناسبَ مع طبيعةِ الاتكاءِ، وهذا الدينُ جُعِلَ لهُ وسادةٌ من أهلهِ شعارُهم قولُهُ تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [سورة الحجرات/ 13] وقولُهُ: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [ سورة القصص / 26].
إنَّ إسنادَ الأمورِ إلى أهلِها أمانةٌ في عُنُقِ وليِّ الأمرِ، فإذا ما أسندَها إلى غيرِ أهلِها مع وجودِ أهلِها فقد خانَ تلكَ الأمانةَ.
وقَدْ أمرَ اللهُ سبحانَهُ بأداءِ الأماناتِ قالَ اللهُ عزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [سورة النّساء/ 58]. فالآيَةُ وإِنْ كانَ نُزُولُها في مِفْتاحِ الكَعْبَةِ فَهِيَ عامَّةٌ في جَميعِ الأماناتِ، فإنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمّا فتحَ مكّةَ وتسلّمَ مفاتيحَ الكعبةِ من بنى شيبةَ، طلبَها منهُ العبّاسُ ليجمعَ لهُ بينَ سقايةِ الحاجِّ وسَدانةِ البيتِ - وتعني العنايةَ بالكعبةِ المشرفةِ والقيامَ بشؤونِها - فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ فدفعَ مفاتيحَ الكعبةِ إلى بني شيبةَ.
فيجبُ على وليِّ الأمرِ أن يولّيَ على كلِّ عملٍ مِنْ أعمالِ المسلمينَ أصلحَ مَنْ يجدُهُ لذلكَ العملِ؛ لأنَّ اللهَ لم يشرعِ الدينَ إلا ليصونَ النفوسَ عن ميولِها الدنيةِ، ويصرفَها عن إرادتِها السيئةِ ويقهرَ السرائرَ ويزجرَ الضمائرَ وليكونَ هو الرقيبَ على النفوسِ في خلواتِها والناصحَ لها في مُلماتِها قالَ اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ﴾ أيها الناسُ والحكامُ وولاةُ الأمورِ ﴿ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ وهي كلُّ ما ائتُمنْتُم عليهِ مِنْ قولٍ أو عملٍ أو مالٍ أو علمٍ، وبالجملةِ كلُّ ما يكونُ عندَ الإنسانِ مِنَ النعمِ التي تفيدُ نفسَهُ وغيرَهُ فليُسَلِّمْ ذلكَ إلى أربابهِ.
وكما أمرَ اللهُ سبحانَهُ بأداءِ الأمانةِ إلى أهلِها، فإنَّهُ نهى عَنِ الخيانةِ الّتي تتضمّنُ إسنادَ الأمرِ إلى غيرِ أهلهِ قالَ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأنفال 27].
وهكذا الرجلُ الكفءُ يأمنُهُ وليُّ الأمرِ الذي اختارَهُ، وتأمنُهُ الأمةُ على ضروراتِها ومصالحِها، أما غيرُ الكفءِ فهو شبيهٌ بالإبلِ الكثيرةِ التي يلتمسُ الراكبُ منها واحدةً صالحةً فلا يجدُها، وأما البشرُ الذينَ ليسوا أكفاءَ كثيرونَ، فقد روى عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما: قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "الناسُ كإبلٍ مائةٌ لا يُوجدُ فيها راحلةٌ" رواهُ مسلمٌ. الراحلةُ معناهُ الإبلُ الذي هو صالحٌ للركوبِ، مطاوعٌ لراكبهِ لا يخشى منهُ ايذاءً ولا ضررًا، بل في كلِّ الحالاتِ مطاوعٌ، هذا مِنْ بينِ إبلٍ مائةٍ قد لا تجدُهُ. ولذلكَ شبّهَ الرّسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الرّجلَ الكُفْءَ الإنسانَ الكاملَ بالراحلةِ التي قد لا تجدُها مِنْ بينِ مائةٍ مِنَ الإبلِ، فإذا وجدَ المسافرُ الراحلةَ أمِنَ في سفرهِ على نفسهِ وعلى متاعهِ؛ لأنَّه قويٌّ صبورٌ متمرِّسٌ على الحملِ والسّفرِ وتحمّلِ المشاقِّ، فمعنى الحديثِ أنَّ كاملَ الأوصافِ مِنَ الناسِ نادرٌ قليلٌ جدًا.
ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا