أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

ستكونُ فتنٌ كقطعِ الليلِ المظلم

بادروا بالأعمال الصالحة فستكونُ فتنٌ كقطعِ الليلِ المظلم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرِينَ.
أما بعدُ فلقد حضَّ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ على المبادرةِ إلى الخيراتِ وعلى قضاءِ حوائجِ بعضِنا البعضِ وحثَّنا حثًّا بليغًا على الازديادِ مِنَ الخيرِ فقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "بادروا بالأعمالِ الصالحةِ فستكونُ فتنٌ كقطعِ الليلِ المظلمِ يُصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبحُ كافرًا يبيعُ دينَهُ بعرَضٍ مِنَ الدنيا" رواهُ مسلمٌ.
قالَ النوويُّ في شرحِ مسلمٍ: "معنى الحديثِ الحثُّ على المبادرةِ إلى الأعمالِ الصالحةِ قبلَ تعذرِها والاشتغالِ عنها بما يحدثُ مِنَ الفتنِ الشاغلةِ المتكاثرةِ المتراكمةِ كتراكمِ ظلامِ الليلِ المظلمِ لا المقمرِ، ووصفَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ نوعًا مِنْ شدائدِ تلكَ الفتنِ، وهو أن يمسيَ مؤمنًا ثم يصبحُ كافرًا أو عكسُهُ، وهذا لعظمِ الفتنِ، ينقلبُ الإنسانُ في اليومِ الواحدِ هذا الانقلابَ".
ثم إنَّ الحديثَ دليلٌ على أنَّ الأعمالَ الصالحةَ سببٌ للنجاةِ مِنَ الفتنِ، ويشهدُ لذلكَ حديثُ أمِّ سلمةَ زوجِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالت: "استيقظَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ليلةً فَزِعًا يقولُ: سبحانَ اللهِ ماذا أنزلَ اللهُ مِنَ الخزائنِ وماذا أنزلَ مِنَ الفتنِ؟ مَنْ يُوقظُ صواحبَ الحجراتِ _ يُريدُ أزواجَهُ_ لكي يُصَلِّينَ؟ "ربُّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرةِ" رواهُ البخاريُّ، فأرشدَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعدَ أن أوحيَ إليهِ بما سيكونُ منَ الفتنِ بعدَهُ إلى الصلاةِ، فالعبادةُ حجابٌ للعبدِ مِنَ الفتنِ.
وذكرُ الصباحِ والمساءِ في الحديثِ ليسَ مقصودًا لذاتهِ، بل هما كنايةٌ عن سرعةِ التحولِ فقد يكونُ التحولُ بينَ الصبحِ والظهرِ أو بينَ الظهرِ والعصرِ، فالعبرةُ بالتحولِ وهذا يَحدثُ بأقصرَ مِنْ هذهِ المدةِ. فليحذرِ العبدُ وليتحصَّنْ قبلَ حلولِ الفتنةِ قالَ تعالى:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ وقالَ:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾.
وعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ" رواهُ مسلمٌ.
يأمرُ النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في هذا الحديثِ بالمبادرةِ بالأعمالِ الصالحةِ قبلَ أن تأتيَ ستةُ أمورٍ، منها أربعةٌ مِنْ علاماتِ الساعةِ الكبرى، وهي: طلوعُ الشمسِ من مغربِها والدخانُ وخروجُ الدابةِ والدجالُ.
فبادروا إلى العملِ الصالحِ ومواساةِ المحتاجينَ وإغاثةِ الملهوفينَ ومدِّ يدِ العونِ للفقراءِ والمساكينَ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "مَنْ نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً مِنْ كُرَبِ الدنيا نفَّسَ اللهُ عنهُ كُربةً مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَنْ يسَّرَ على معسرٍ يسَّرَ اللهُ عليهِ في الدنيا والآخرةِ، ومَنْ سترَ مسلمًا سترَهُ اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ" رواهُ مسلمٌ.
إنَّ الإسلامَ دينٌ دعا إلى الخيراتِ والمبراتِ ومكارمِ الأخلاقِ وقد وعدَ اللهُ تباركَ وتعالى مَنْ يبذلُ المعروفَ ويُحسِنُ إلى الناسِ بالجزاءِ الكبيرِ يومَ القيامةِ فقد قالَ تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾.
وقد قالَ نبيُّنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "لا تَحقرَنَّ مِنَ المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاكَ بوجهٍ طَلِقٍ" رواهُ مسلمٌ.
وهذا مِنْ أسهلِ الحسناتِ أن تلقى أخاكَ المسلمَ بوجهٍ طَلِقٍ بشوشٍ فيَدخلُ السرورُ إلى قلبهِ. كذلك زيارتُكَ لأخيكَ المسلمِ المريضِ قد تُخَفِّفُ شيئًا مِنْ ءالامِه، وسؤالُكَ عَنْ أخيكَ البائسِ قد يُزيلُ عنهُ شيئًا مِنْ همومِه وأحزانهِ، وإغاثتُكَ لملهوفٍ أو محتاجٍ أو مُعدمٍ قد تُعينُهُ بها على طاعةُ اللهِ وتُدخِلُ الفرحَ والبهجةِ إلى قلبهِ.
بادروا بالأعمالِ التي تنفعُكم في ءاخرتِكم قبلَ العجزِ بالمرضِ أو بالموتِ أو الشواغلِ واعملوا بحديثِ: " لا يشبعُ مؤمنٌ مِنْ خيرٍ يسمعُهُ حتى يكونَ منتهاهُ الجنةَ" رواهُ الترمذيُّ.
فالإسلامُ دينٌ عظيمٌ، شرعَ اللهُ تعالى لنا فيهِ ما فيهِ صلاحُنا وفلاحُنا في الدنيا والآخرةِ.
نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلَنا مِنَ المقبلينَ على الخيراتِ المبادرينَ إلى الطاعاتِ والمبرّاتِ ونسألُهُ تعالى أن يجعلَنا مِنْ عبادهِ الطاهرِينَ المتّقينَ المتآخينَ المتحابينَ المتوادينَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا