أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

اقتربت الساعة وانشق القمر

اقتربت الساعة وانشق القمر

أما بعدُ فقد قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [سورة القمر/1]، قالَ ابنُ جريرٍ: يعني تعالى ذكرُهُ بقولهِ: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ دنتِ الساعةُ التي تقومُ فيها القيامةُ، وقولهُ: ﴿اقْتَرَبَتِ﴾ على وزنِ "افتعلتْ" مِنَ القربِ، وهذا مِنَ اللهِ تعالى ذكرُهُ إنذارٌ لعبادهِ بدنوِّ القيامةِ وقربِ فناءِ الدنيا وأمرٌ لهم بالاستعدادِ لأهوالِ القيامةِ قبلَ هجومِها عليهم وهم عنها في غفلةٍ ساهونَ.
وقولُهُ: ﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ أي وانفلقَ القمرُ، وكانَ ذلكَ فيما ذُكِرَ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو بمكةَ قبلَ الهجرةِ إلى المدينةِ كما وردَ ذلكَ في الأحاديثِ المتواترةِ بالأسانيدِ الصحيحةِ.
ففي الصحيحِ عن أنسِ بنِ مالكٍ أنَّ أهلَ مكةَ سألوا رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُريَهم ءايةً أي علامةً على صدقهِ في دعواهُ النبوةَ، فأراهمُ القمرَ شِقَّيْنِ حتى رأوْا غارَ حراءَ بينَهما.
وعن ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ: هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ـ زوجُ حليمةَ ـ انْظُرُوا السُّفَّارَ فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ، فَسُئِلَ السُّفَّارُ وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَالُوا: رَأَيْنَا.
قبلَ أن يهاجرَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ مكةَ المكرمةِ إلى المدينةِ المنورةِ بخمسِ سنواتٍ جاءَهُ نفرٌ مِنْ قريشٍ وقالوا لهُ: يا محمدُ إنْ كنتَ حقًّا نبيًّا ورسولًا فأتِنا بمعجزةٍ تشهدُ لكَ بالنبوةِ والرسالةِ، فسألَهم: ماذا تريدونَ؟ قالوا: شُقَّ لنا القمرَ، على سبيلِ التعجيزِ والتحدي. فوقفَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يدعو ربَّهُ أن ينصرَهُ في هذا الموقفِ فألهمَهُ ربُّهُ تباركَ وتعالى أن يُشيرَ بإصبعهِ الشريفِ إلى القمرِ، فانشقَّ القمرُ إلى فِلْقَتَينِ، تباعدتا عن بعضِهما البعضِ لعدةِ ساعاتٍ متصلةٍ، ثم التحمَتا، فكانَت فِلْقَةٌ وَرَاءَ الجَبَلِ، وفِلْقَةٌ دُونَهُ والْمُرَادُ أَنَّهُما تَبَايَنَتَا، فإِحدَاهُما إلى جِهَةِ العُلُوِّ والأُخرَى إلى السُّفْلِ.
فنظروا جميعًا فرأَوْا أنَّ القمرَ انشقَّ شقتينِ، فقالَ لهم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "اشْهَدُوا" يَعنِي ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ﴾ كما في البخاريِّ ومسلمٍ.
فقالَ الكفارُ: سحرَنا محمدٌ، فقالَ بَعضُهُم: لَئِن كَانَ سَحَرَنَا، مَا يَستَطِيعُ أَن يَسحَرَ النَّاسَ كُلَّهُم، معنى كلامِهم أنَّ السحرَ قد يُؤثرُ على الذينَ حضروهُ، لكنهُ لا يستطيعُ أن يؤثرَ على كُلِّ الناسِ، فانتظروا الركبانَ القادمينَ مِنَ السفرِ، فسارعَ الكفارُ إلى مخارجِ مكةَ ينتظرونَ القادمينَ مِنَ السفرِ.
فحينَ قدِمَ أولُ ركبٍ سألَهمُ الكفارُ: هل رأيتُم شيئًا غريبًا حدثَ لهذا القمرِ؟، قالوا: نعم، في الليلةِ الفلانيةِ رأينا القمرَ قد انشقَّ إلى فِلقتينِ تباعدتا عن بعضِهما البعضِ ثم التحمتا. فآمنَ منهم من ءامنَ وكفرَ من كفرَ. ولذلكَ يقولُ الحَقُّ تباركَ وتعالى في كتابهِ العزيزِ: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا ءايَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ *وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرّ﴾ [سورة القمر /1- 3] إلى ءاخرِ الآياتِ التي نزلتْ في ذلك.
معجزةُ انشقاقِ القمرِ مِنْ أمهاتِ معجزاتِ نبيِّنا صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقد رواها عدةٌ مِنَ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم مع ظاهرِ الآيةِ الكريمةِ وسياقِها، ولا إنكارَ للعقلِ فيها؛ لأنَّ القمرَ مخلوقٌ، اللهُ تعالى يفعلُ فيهِ ما يشاءُ كما يُفنيهِ ويُكوِّرُهُ في ءاخرِ أمرهِ. كثيرٌ مِنَ المشركينَ رأَوْا منهُ المعجزاتِ مع ذلكَ لم يؤمنوا، فالمعجزاتُ لا تهدي إلا من شاءَ اللهُ تعالى لهُ أنْ يهتدي بها، وأما مَنْ لم يشأِ اللهُ تعالى أن يهتديَ بها فلا يهتدي بها.
اللهمَّ اهْدِنا سُبُلَ السَّلامِ وأخْرِجْنا منَ الظُّلُماتِ إلى النّورِ اللهمَّ اجعلنا هُدَاةً مَهْدِيِّيْنَ غيرَ ضَالّينَ ولا مُضِلّيْنَ واختِم لنا بالخيرِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلى اللهُ على النبيِّ وءالِهِ وسَلَّمَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا