أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ

بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فقد بعثَ اللهُ برحمتِه وفضلِه محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بالهدى ودينِ الحقِّ، أرسلَهُ رحمةً للعالمينَ، وحجةً على الخلقِ أجمعينَ، أيَّدَهُ بالآياتِ والبراهينِ، وأنزلَ عليهِ الكتابَ المبينَ، وفرضَ اللهُ طاعتَهُ واتّباعَهُ والتصديقَ بهِ على العالمينَ، وقد أخذَ على ذلكَ ميثاقَ النبيِّينَ فقالَ تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [سورة ءال عمران/ 181].
إنَّ محمدًا عليهِ الصلاةُ والسلامُ مبعوثٌ إلى عامةِ الناسِ وكافَّـةِ الـورى، كمـا قـالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيرا﴾ [سورة سبأ/ 28] وقالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[سورة الأعراف/158]. بعثَ اللهُ تعالى نبيَّنا محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ على رأسِ الأربعينَ مِنْ عمرهِ فجاءَهُ الوحيُ وهو يتعبَّدُ في غارِ حراءَ ــ وهو الغارُ الذي في أعلى الجبلِ المسمى جبلَ النورِ ـ فأولُ ما نزلَ عليهِ قولُهُ تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾ [سورة العلق:1-5].
فقامَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بأمرِ ربِّهِ فبشَّرَ وأنذرَ وكانَ أولَ مَنْ أجابَهُ مِنْ غيرِ أهلِ بيتهِ أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ وكانَ صديقًا لهُ قبلَ النبوةِ فلما دعاهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بادرَ إلى التصديقِ بهِ وقالَ بأبي وأمي أهلُ الصدقِ أنتَ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنكَ رسولُ اللهِ وصارَ مِنْ دعاةِ الإسلامِ حينئذٍ فأسلمَ على يدَيهِ عثمانُ بنُ عفانَ والزبيرُ بنُ العوامِ وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ وطلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهم، ومكثَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يدعو حتى نزلَ قولُهُ تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الحجر/ 94]، فصدعَ بأمرِ اللهِ تعالى وجهرَ بدعوتهِ. وقد كانَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يجولُ في مجتمعاتِ المشركينَ ويقولُ: "أيها الناسُ قولوا لا إلهَ إلا اللهُ تُفلحوا"، وهذا حالُ الأنبياءِ عليهمُ السلامُ.
هذه البعثةُ مِنْ أشراطِ الساعةِ الصغرى بل قالَ القرطبيُّ رحمَهُ اللهُ:" أولُ أشراطِ الساعةِ بعثةُ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ؛ لِأَنَّهُ نبيُّ ءاخرِ الزمانِ وقد بُعثَ وليسَ بينَهُ وبينَ القيامةِ نبيٌّ" كما في كتابِ التذكرةِ بأحوالِ الموتى وأمورِ الآخرةِ.
روى البخاريُّ في صحيحهِ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ" ويدلُّ على ذلكَ ما جاءَ عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ رضيَ اللهُ عنهُ مرفوعًا بلفظِ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعةَ هكذا " ويُشيرُ بأصبعيهِ فيمدُّ بهما. رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ. وقد أرادَ النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بهِ أني بُعثتُ أنا والساعةَ كالسبابةِ والوسطى من غيرِ أن يكونَ بينَنا نبيٌّ ءاخرُ لأني ءاخرُ الأنبياءِ وعلى أمتي تقومُ الساعةُ" قالَهُ أبو حاتمِ بنُ حبانَ رحمَهُ اللهُ في صحيحهِ.
والمعنى أن بينَ بعثةِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وقيامِ الساعةِ شىءٌ يسيرٌ بالنسبةِ لما مضى مِنَ الزمانِ، وهذا يدلُّ على قربِها. ولا يشكُّ مسلمٌ في ثبوتِ قربِ الساعةِ، كيفَ يفعلُ ذلكَ وقد ذكرَ اللهُ تعالى ذلكَ في كتابهِ الكريمِ ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [سورة الأنبياء/ 1]، وقالَ عزَّ وجلَّ: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [سورة القمر/ 1].
ففي صحيحِ البخاريِّ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ "إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِى أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ" وفي لفظٍ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ".
ولا منافاةَ بينَ تقريبِ أمرِ الساعةِ وبينَ قولِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في حديثِ جبريلَ المشهورِ: "ما المسئولُ عنها بأعلمَ مِنَ السائلِ" فإنَّ المرادَ بالأوّلِ بيانُ اقترابِ أمرِ الساعةِ، وأنهُ ليسَ بينَهُ وبينَ الساعةِ نبيٌّ، كما ليسَ بينَ السبابةِ والوسطى أصبعٌ أخرى، ولا يلزمُ من ذلكَ علمُ وقتِها بعينهِ، لكن سياقُهُ يُفيدُ قربَها، وأنَّ أشراطَها متتابعةٌ، كما قالَ تعالى في محكمِ كتابهِ: ﴿فهَلْ ينظُرونَ إلا الساعةَ أن تأتِيَهُم بَغتةً فقدْ جاءَ أشراطُها﴾ [سورة محمد/18].
فلا ينبغي لنا الاشتغالُ بما لا فائدةَ منهُ ولا طائلَ وراءَهُ، وليكنِ اهتمامُنا فيما ينفعُنا. والموتُ لا شكَّ يأتي بغتةً، ولا يعرفُ صغيرًا ولا كبيرًا ولا مريضًا ولا صحيحًا، فماذا أعددنا لتلكَ الساعةَ التي نفارقُ فيها دنيانا ونلقى فيها ربَّنا عزَّ وجَلَّ ؟!

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا