أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

نار تخرج من قعر عدن

نار تخرج من قعر عدن

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فإنَّ ءاخرَ علاماتِ الساعةِ ظهورًا قُبيلَ قيامِ الساعةِ نارٌ تخرُجُ منْ قَعرِ عدنٍ فتسوقُ الناسَ إلى المغربِ، وعدنٌ أرضٌ باليمنِ، تخرجُ نارٌ من هناكَ تسوقُ الناسَ والناسُ يهربونَ منها وهي تسيرُ سيرًا بطيئًا وراءَهم، لا تهبُّ هبوبَ الريحِ ولكن تدفعُ الناسَ إلى محشرِهم، جاءَ في حديثِ حذيفةَ بنِ أسيدٍ الغفاريِّ قالَ: "اطلعَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علينا ونحن نتذاكرُ، فقالَ: ما تذاكرونَ؟ قالوا: نذكرُ الساعةَ" قالَ: "ها، لن تقومَ حتى ترونَ قبلَها عشرَ ءاياتٍ، فذكرَ الدخانَ والدجالَ والدابةَ وَءاخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُج مِنْ الْيَمَن تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهمْ" أخرجَهُ مسلمٌ. وفي روايةٍ أخرى لمسلمٍ: "وءاخرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُج مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تُرَحِّلُ النَّاسَ".
فقولهُ: "تُرَحِّلُ النَّاسَ" أي تحملُهم على الرحيلِ فيهربُ الناسُ مِنْ مواطنِهم إلى بلادِ المغربِ وغيرِها. هذهِ النارُ التي في حديثِ حذيفةَ بنِ أُسيدِ بنِ عمرَ هي نارٌ حقيقةٌ يُخرجُها اللهُ، يخلقُها اللهُ تعالى في هذهِ الأرضِ. ليستْ نارَ جهنمَ، نارُ جهنمَ لا يراها الناسُ إلا يومَ القيامةِ، قبلَ أن ينتهيَ الوقوفُ في مواقفِ القيامةِ، قبلَ أن يستقرَ البشرُ قسمٌ في الجنةِ وقسمٌ في جهنمَ، اللهُ تعالى يأمرُ ملائكتَهُ سبعينَ ألفًا منهم يجرونَ جهنمَ مِنْ مركزِها إلى حيثُ يراها الناسُ بأعينِهم، منْ بعيدٍ تظهرُ لهم يجرونَها، الملائكةُ يجرونَ جهنمَ بسلاسلَ إلى قريبٍ منْ مواقفِ الناسِ حتى يروا بأعينِهم، الكفارُ يزدادونَ قلقًا وخوفًا، أما الأتقياءُ ءامنونَ، الملائكةُ بشَّروهم قبلَ خروجِهم منَ الدنيا بأنهم ناجونَ.
وروى البخاريُّ عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ سلامٍ لَمَّا أسلمَ سألَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عن مسائلَ، ومنها: ما أولُ أشراطِ الساعةِ ؟ فقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أما أولُ أشراطِ الساعةِ فنارٌ تحشُرُ الناسَ منَ المشرقِ إلى المغربِ". معناهُ أولُ ما يحشرُ الناسَ نارٌ تخرجُ مِنَ المشرقِ فتسوقُهم إلى المغربِ، يرحلُ الناسُ هربًا منها إلى المغربِ وهذا قبلَ يومِ القيامةِ. وكانَ عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ يعتقدُ أن هذه الأسئلةَ الثلاثةَ لا يعلمُ جوابَها إلا نبيٌّ، فلما أجابَهُ الرسولُ بهذا الجوابِ لم يبقَ عندَهُ شكٌّ بأنهُ نبيُّ اللهِ.
والجمعُ بينَ ما جاءَ أنَّ هذه النارَ هي ءاخرُ أشراطِ السَّاعةِ الكبرى وما جاءَ أنها أولُ أشراطِ السَّاعةِ أن ءاخريتَها باعتبارِ ما ذُكِرَ معها مِنَ الآياتِ الواردةِ في حديثِ حذيفةَ، وأوليتُها باعتبارِ أنها أوَّلُ الآياتِ التي لا شىءَ بعدَها مِنْ أمورِ الدُّنيا أصلا، بل يقعُ بانتهاءِ هذه الآياتِ النفخُ في الصورِ، بخلافِ ما ذُكِر معها منَ الآياتِ الواردةِ في حديثِ حذيفةَ، فإنه يبقى بعدَ كلِّ ءايةٍ منها أشياءُ مِنْ أمورِ الدُّنيا كما في فتحِ الباري.
قالَ اللهُ تعالى في كتابهِ العزيزِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) ﴾ [سورة التحريم]. في هذه الآيةِ الكريمةِ يأمرُنا اللهُ تعالى بوقايةِ النفسِ والأهلِ مِنَ النارِ، هذه النارُ العظيمةُ التي ما خلقَ اللهُ أشدَّ منها فكيفَ تكونُ الوقايةُ مِنَ النارِ؟ يُرشدُنا سيدُنا عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ إلى ذلكَ فيقولُ: أن تعلّمَ نفسكَ وأهلَكَ الخيرَ، أي أن تتعلمَ ما هو الحلالُ وما هو الحرامُ وتُعلمَ أهلكَ هذا العلمَ، كما رواهُ الحاكمُ. فالعبدُ لا يكونُ تقيًّا إلا بأداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرماتِ فالعبدُ مهما أتعبَ نفسَهُ في الطاعاتِ والأذكارِ إن لم يكن مؤديًا للواجباتِ ومجتنبًا للمحرماتِ لا يكونُ عبدًا تقيًّا.
اللهمَّ إنا نعوذُ بكَ مِنْ عذابِ القبرِ ومنْ فتنةِ القبرِ وفتنةِ المحيا وفتنةِ المماتِ وفتنةِ المسيحِ الدجالِ. اللهمَّ رحمتَكَ نرجو فلا تَكِلنا إلى أنفسِنا طرفةَ عينٍ، وأصلحْ لنا شأنَنا كلَّهُ، اللهمَّ يا مصرَّفَ القلوبِ صرفْ قلوبَنا على طاعتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا