أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

انشقاق الأرض وبلع من عليها

انشقاق الأرض وبلع من عليها

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ صلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على أشرفِ المُرسلينَ وخاتمِ النبيينَ وشفيعِ المذنبينَ يومَ الدينِ وعلى جميعِ إخوانهِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
أما بعدُ فإنَّ مِنْ أشراطِ الساعةِ الكبرى الخسوفاتِ الثلاثةَ التي ذكرَها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما يكونُ في ءاخرِ الزمانِ، خسفٌ بالمشرقِ وخسفٌ بالمغربِ وخسفٌ في جزيرةِ العربِ، كما وردَ في الطبرانيِّ مِنْ حديثِ أمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنها أنها قالتْ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ علَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: "سيكونُ بعدي خسفٌ بالمشرقِ وخسفٌ بالمغربِ وخسفٌ في جزيرةِ العربِ" الحديثَ.
الخسوفُ هو انشقاقُ الأرضِ وبلعُ مَنْ عليها كما خسفَ اللهُ الأرضَ بقارونَ. فقد كانَ قارونُ مِنْ بني إسرائيلَ وهو ابنُ عمِّ سيدِنا موسى عليهِ السلامُ، وقد رزقَهُ اللهُ تعالى سَعَةً في الرزقِ، وكثرةً في الأموالِ حتى فاضَتْ بها خزائنُهُ، واكتظَتْ صناديقُهُ بما حوتْهُ منها، فلم يَعُدْ يستطيعُ حمْلَ مفاتيحِها مجموعةٌ مِنَ الرجالِ الأقوياءِ.
لكنْ قارونُ لم يكنْ عبدًا شكورًا، فبدلًا مِنْ أنْ يُطيعَ اللهَ، أخذَ يغترُّ بنفسِهِ ويتكبّرُ على قومِهِ ويفتخرُ بكثرةِ ما ءاتاهُ اللهُ تعالى مِنَ الأموالِ والكنوزِ، فنصحَهُ النصحاءُ مِنْ قومهِ ووعظُوهُ ونَهَوْهُ عَنْ فسادِهِ وبَغْيهِ ولكنَّهُ أجابَهم جوابَ مغترٍّ مَفْتُونٍ مُسْتَكْبِرٍ مُدَّعيًا أنهُ لا يَحتاجُ إلى نصائِحِهم لأنّهُ اكتسبَ مالَهُ بعلمِهِ وفضْلهِ معتقدًا على زعمِهِ أنَّ اللهَ يُحِبُّهُ ولذلكَ أعطاهُ المالَ الكثيرَ.
وقيلَ إنَّ قارونَ مرَّ في مسيرهِ على مجلسٍ لسيدِنا موسى عليهِ السلامُ فأوقفَ الموكبَ وخاطبَهُ قائلًا: يا موسى أما لئِنْ كنتَ فُضّلتَ عليَّ بالنبوةِ، فلقد فُضّلتُ عليكَ بالمالِ، ولئِنْ شئتَ فاخرُجْ فادعُ عليَّ وأدعُو عليكَ، فخرجَ سيدُنا موسى عليه السلام ثابتَ القلبِ متوكلًا على ربِّهِ سبحانَهُ وتعالى، وبدأَ قارونُ بالدعاءِ فلم يُستَجَبْ لهُ، ودعا سيدُنا موسى وقالَ: اللهمَّ مُرِ الأرضَ فلتُطِعْنِي اليومَ، فاستجابَ اللهُ لهُ، فقالَ موسى: يا أرضُ خُذِيهم، فأخذتِ الأرضُ قارونَ ومن معهُ مِنْ أتباعهِ إلى أقدامِهم ثم قالَ: يا أرضُ خُذِيهم، فأخذتْهُم الى رُكَبِهم ثمَّ إلى مناكِبهم ثم قالَ: أقبلي بكنوزهِ وأموالهِ، فاهتزتِ الأرضُ تحتَ دارهِ وما فيها مِنْ أموالٍ، ثم أشارَ موسى عليهِ السلامُ بيدهِ فقالَ: يا أرضُ خُذِيهم فابْتَلَعَتْهُم جميعًا.
الملائكةُ يستطيعونَ إنْ أمرَهُمُ اللهُ أنْ يخسِفوا أرضًا كبيرةً أو صغيرةً، يُنزِلُونَها إلى تحتٍ؛ لأنَّ الملائكةَ مقتدرونَ بما أعطاهمُ اللهُ مِنْ قوةٍ أنْ يَخْسِفوا هذه الأرضَ، كما خَسفَ جبريلُ بريشةٍ مِنْ جناحِهِ قرى قومِ لوطٍ وهي أربعُ مدنٍ، رفعَها بريشةٍ واحدةٍ إلى حيثُ صاروا قريبينَ إلى السماءِ بحيثُ يسمعُ أهلُ السماءِ نباحَ كلابِهم وصياحَ ديكتِهم، ثم قلبَها، قلبَ أعالِيَها سافلَها؛ لأنَّ اللهَ أمرَهُ بذلكَ. مدنُ لوطٍ الأربعةُ عندَ الخسفِ بهم صارتْ تتحركُ بأهلِها تذهبُ وتجيءُ، اللهُ تعالى يُحرِّكُ الأرضَ بقدرتهِ حتى يقلبَهم إلى أسفلَ وتعلو الأرضُ عليهم.
فهذهِ الخسوفُ الثلاثةُ لم تقعْ بعدُ كغيرِها مِنْ أشراطِ الساعةِ الكبرى التي لم يَظهرْ شىءٌ منها، وما حدثَ منْ بعضِ الخسوفاتِ في أماكنَ متفرقةٍ مِنَ الأرضِ وفي أزمانٍ متباعدةٍ ليستْ مِنَ الخسوفاتِ التي هي مِنْ علاماتِ الساعةِ الكبرى التي سيكونُ لها شأنٌ عظيمٌ وسمعةٌ واسعةٌ يعرفُها جميعُ الناسِ مِنْ عظمِها، وهي ستكونُ بعدَ خروجِ المسيحِ الدجالِ ونزولِ المسيحِ عيسى عليهِ السلامُ، وتقعُ في أوقاتٍ متقاربةٍ، ويحتملُ أنْ تقعَ هذه الخسوفُ في ءانٍ واحدٍ.
ووردَ حديثٌ صحيحٌ بأنَّ جيشًا منَ الجيوشِ يقصدُ الكعبةَ للغزوِ، يقصدُ مكةَ للغزوِ فيخسفُ اللهُ بهذا الجيشِ ببيداءَ مِنَ الأرضِ، بصحراءَ مِنَ الأرضِ، ما سماها الرسولُ أينَ هي، هذا غيرُ الخسوفِ الثلاثةِ.
فعليكم بتقوى اللهِ وذِكرِ الآخرةِ وذكرِ الموتِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿قُلْ مَتاعُ الدُّنيا قليلٌ والآخرةُ خيرٌ لمَنِ اتقى﴾ فمهما جمعَ الإنسانُ مِنَ المالُ وتنَعَّمَ بأنواعِ الملذاتِ والمشتهياتِ لا بُدَّ أنْ يفارقَ ذلكَ بالموتِ.
اللهمَّ إنا نسألُكَ أن تغفرَ لنا ما قدَّمنا وما أخَّرْنا وما أسرَرْنا وما أعْلَنا وما أنتَ أعلمُ بهِ منا.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا