أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

مِنْ أشراطِ الساعةِ الدُّخَانُ

مِنْ أشراطِ الساعةِ الدُّخَانُ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لَهُ النعمةُ ولَهُ الفضلُ ولَهُ الثناءُ الحسنُ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على أشرفِ المرسلينَ وخاتمِ النبيينَ وشفيعِ المذنبينَ يومَ الدينِ وعلى جميعِ إخوانهِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
أما بعدُ فإنَّ مِنْ أشراطِ الساعةِ أي القيامةِ الكبرى ظهورَ الدخانِ، وهذا ثابتٌ بالكتابِ والسنةِ بل إنَّ هناكَ سورةً في القرءانِ سُمِّيتْ بسورةِ الدخانِ لِذِكْرِ هذهِ العلامةِ فيها كما قالَ تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أليمٌ﴾ وتأملوا كيفَ أنَّ اللهَ وَصَفَ هذا الدخانَ بأنهُ عذابٌ أليمٌ، وفي ذلكَ دلالةٌ أنهُ ليسَ بالأمرِ الهينِ الذي يَحُلُّ بالعبادِ حينَها. ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ أي بيِّنٍ واضحٍ، يَراهُ كلُّ أحدٍ، ذَلِكَ دُخَانٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ أَسْمَاعَ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارَهمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ شِبْهَ الزُّكَامِ.
كما أخرجَ مسلمٌ في صحيحهِ مِنْ حديثِ حذيفةَ بنِ أسيدٍ الغفاريِّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: أشرفَ علينا رسولُ اللَّهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ عرفةَ، ونحنُ نتذاكرُ الساعةَ، فقالَ: "لا تقومُ الساعةُ حتى تَرَوْا عشرَ ءاياتٍ: طلوعُ الشمسِ مِنْ مغربِها، والدخانُ" الحديثَ.
فهذا الدخانُ ينزلُ، ينتشرُ في الأرضِ يَـملأُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ فأمّا المسلمُ المؤمنُ يصيرُ عليهِ كالزّكامِ كالرشحِ لا يُؤذيهِ كثيرًا، إنما أثرُ هذا الدخانِ على المسلمِ كالرشحِ. وأما الكافرُ فيدخلُ فيهِ هذا الدخانُ فينتفخُ حتى يخرجَ منهُ مِنْ كلِّ جهةٍ مِنْ فمِه ومِنْخَرَيْهِ وعينَيهِ وأُذُنَيْهِ ودُبرِهِ، فيكادُ الكافرونَ يموتونَ مِنْ شِدَّةِ هذا الدُّخانِ. عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " إنَّ ربَّكم أَنْذَرَكُمْ ثَلاثًا: الدُّخَانَ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ كَالزَّكْمَةِ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخُ وَيَخْرُجُ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ، وَالثَّانِيَةُ الدَّابَّةُ، وَالثَّالِثَةُ الدَّجَّالُ " أخرجَهُ ابنُ جريرٍ ورواهُ الطبرانيُّ في المعجمِ الكبيرِ وإسنادُهُ جيدٌ.
فهو حقًّا عذابٌ أليمٌ كما وصفَهُ اللهُ سبحانَهُ، ولا شكَّ أنَّ هذا ابتلاءٌ مِنَ اللهِ مِنْ جملةِ الابتلاءاتِ لهذهِ الأمةِ في ءاخرِ الزمانِ، ولو تَتَبَّعْنَا بقيةَ الآياتِ التي وردَ فيها ذِكرُ هذا الدخانِ لربما أدركنا شيئًا مِنْ حكمةِ ذلكَ وهو بعدُ الناسِ حينَها عما جاءَ بهِ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
روى مسلمٌ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّابَّةَ" إلى ءاخرِ الحديثِ. ففي هذا الحديثِ الصحيحِ الشريفِ يأمرُنا صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالمبادرةِ بالأعمالِ أي الإسراعِ بالأعمالِ الصالحةِ والتعجيلِ بها قبلَ أنْ تأتيَ هذهِ الفتنُ وهذهِ الصوارفُ التي تُعِيقُ الإنسانَ عَنِ العملِ الصالحِ. والمسارعةُ والمسابقةُ والمبادرةُ معناها التعجيلُ بتحصيلِ شىءٍ يفوتُ بالتأخُّرِ في طلبهِ ويندمُ الإنسانُ على فواتهِ، فما بالُكَ إذا كانَ هذا الشىءُ الفائتُ هو الجنةَ والمغفرةَ؟! ولا بديلَ لمن فاتَهُ ذلكَ إلا النارُ والعذابُ الأليمُ، فما أعظمَ الحسرةَ وأفدحَ الخسارةَ.
إنَّ مِنْ فوائدِ التعجيلِ بالأعمالِ الصالحةِ في زمنِ الرخاءِ والراحةِ والصحةِ والفراغِ والغنى أنَّ مَنْ فعلَ ذلكَ عَرَفَهُ اللهُ سبحانَهُ أي رحمَهُ في أوقاتِ الفتنِ والشدائدِ، فثبَّتَهُ وسلَّمَهُ في دينهِ، وكتبَ لَهُ أجرَ ما كانَ يعملُ وهو صحيحٌ مقيمٌ، كما قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يَعْرِفْكَ في الشدةِ" رواهُ الترمِذيُّ عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما.
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجِبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللَّهُمَ اكْفِنا بِحَلالِكَ عنْ حرامِكَ وبِطاعَتِكَ عنْ مَعْصِيَتِكَ وأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عمَّنْ سِوَاكَ يا أرحَمَ الراحِمينَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا