أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

مِنَ الآياتِ العظيماتِ طلوعُ الشمسِ مِنْ مغربِها

مِنَ الآياتِ العظيماتِ طلوعُ الشمسِ مِنْ مغربِها

الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ فسوَّى وقدَّرَ فهدى، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الأمينُ صلى اللهُ عليهِ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ ففي صحيحِ مسلمٍ مِنْ حديثِ حذيفةَ بنِ أَسِيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ الصحابةَ تذاكروا الساعةَ أي القيامةَ، وقيل سُميتْ بذلكَ لسرعةِ قيامِها فقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " إنها لن تقومَ حتى تَرَوْا قبلَها عشرَ ءاياتٍ: فذكرَ الدخانَ، والدَّجالَ، والدابةَ، وطلوعَ الشمسِ مِنْ مغربِها" الحديثَ. فمن علاماتِ الساعةِ الكبرى طلوعُ الشمسِ مِنَ المغربِ، وهذهِ ءايةٌ عظيمةٌ وحدثٌ مهولٌ فهي ستُخالفُ ما اعتادهُ الناسُ بطلوعِها منَ المغربِ، ولكنِ الذي أطلعَها مِنَ المشرقِ قادرٌ على أن يُغَيَّرَ مسارَها فهو خالقُها ومدبرُ أمرِها سبحانَهُ وتعالى. قالَ اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءايَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾.
إنَّ طلوعَ الشمسِ مِنْ مغربِها ءايةٌ عظيمةٌ يراها كلُّ مَنْ كانَ في ذلكَ الزمانِ، فتنكشفُ لهمُ الحقائقُ، ويشاهدونَ مِنَ الأهوالِ ما يَلوي أعناقَهم إلى الإقرارِ والتصديقِ باللهِ وءاياتهِ، وحُكْمُهُمْ في ذلكَ حكمُ مَنْ عاينَ بأسَ اللهِ تعالى، كما قالَ عزَّ وجلَّ:﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا ءامَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)﴾. قالَ القرطبيُّ: "قالَ العلماءُ: وإنما لا ينفعُ نفسًا إيمانُها عندَ طلوعِ الشمسِ مِنْ مغربِها؛ لأنهُ خلُصَ إلى قلوبِهِم مِنَ الفزعِ ما تَخمُدُ معَهُ كلُّ شهوةٍ مِنْ شهواتِ النفسِ، وتفترُ كلُّ قوةٍ مِنْ قوى البدنِ، فيصيرُ الناسُ كلُّهم لإيقانِهم بدنوِّ القيامةِ في حالِ مَنْ حضرَهُ الموتُ في انقطاعِ الدواعي إلى أنواعِ المعاصي عنهم وبطلانِها مِنْ أبدانِهم، فمن تابَ في مثلِ هذه الحالِ لم تُقبلْ توبتُهُ كما لا تُقبلُ توبةُ مَنْ حضرَهُ الموتُ". انتهى
فإذا طلعتِ الشمسُ مِنْ مغربِها لا يُقبلُ الإيمانُ ممن لم يكنْ قبلَ ذلكَ مؤمنًا، ولا تُقبلُ توبةُ العاصي، لأنهُ بعدَ خروجِ الشمسِ مِنَ المغربِ يُغلَقُ بابُ التوبةِ لِمَا صحَّ عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنهُ قالَ: "إنَّ في المغربِ بابًا خلقَهُ اللهُ للتوبةِ مسيرةُ عرضِهِ سبعونَ عامًا لا يُغلقُ حتى تطلعَ الشمسُ منهُ" رواهُ الترمِذيُّ وابنُ حبانَ.
إنَّ طلوعَ الشمسِ مِنْ مغربِها وخروجَ دابةِ الأرضِ يكونُ في يومٍ واحدٍ بينَ الصبحِ والضحى، ودابةُ الأرضِ هذهِ تُكلِّمُ الناسَ وتُميِّزُ المؤمنَ مِنَ الكافرِ ولا أحدَ منهم يستطيعُ أنْ يهرُبَ منها. فمن تابَ بعدَ خروجِ دابةِ الأرضِ وطلوعِ الشمسِ مِنْ مغربِها لا يَقبلُ اللهُ توبتَهُ، الكافرُ إنْ أسلمَ لا يَقبلُ توبةَ إسلامهِ، والمسلمُ الفاجرُ إنْ تابَ لا يَقبلُ اللهُ توبتَهُ، أما قبلَ ذلكَ فتُقبلُ توبتُهُ إلا مَنْ وصلَ إلى حدِّ اليأسِ كمن رأى عزرائيلَ عليهِ السلامُ يُبشرهُ بالنارِ، بعدَ ذلكَ لا تقبلُ منهُ التوبةُ، الكافرُ إذا ظهرَ لهُ عزرائيلُ عندَ موتهِ فبشَّرَهُ بالموتِ لا يُقبلُ إسلامُهُ.
فمن هنا يُعلمُ أنَّ توبةَ اللهِ على عبادهِ نوعانِ: توفيقٌ منهُ للتوبةِ، وقبولٌ بعدَ وجودِها. فإنَّ اللهَ يَقبلُ توبةَ العبدِ إذا تابَ قبلَ معاينةِ الموتِ والعذابِ قطعًا، وأما بعدَ حضورِ الموتِ فلا يُقبلُ مِنَ العاصينَ توبةٌ ولا مِنَ الكفارِ رجوعٌ ويشهدُ لذلكَ ما رواهُ الترمِذيُّ أنَّ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "إنَّ اللهَ يَقبلُ توبةُ العبدِ ما لم يُغرغرْ".
اللهمَّ ارزقنا توبةً نصوحًا. اللهمَّ اشرحْ صدورَنا ونوِّرْ قبورَنا وزِدنا علمًا، اللهمَّ اجعلِ القرءانَ ربيعَ قلوبِنا ونورًا لأبصارِنا وأكرِمنا بحفظهِ وءاخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا