أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

رفعُ عيسى عليهِ السلامُ وهو يقظٌ بروحهِ وجسمهِ الى السماءِ

رفعُ عيسى عليهِ السلامُ وهو يقظٌ بروحهِ وجسمهِ الى السماءِ

الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوَّى وقدّرَ فهدى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هو وحدَهُ لا شريكَ لهُ، ربُّ الأولينَ والآخرينَ، ومالكُ يومِ الدينِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الأمينُ صلى اللهُ عليهِ وعلى ءالهِ وصحبهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فيقولُ اللهُ تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [ سورة طه/55] بعدما ينزلُ المسيحُ عيسى عليهِ السلامُ ويمكثُ في الأرضِ أربعينَ سنةً ويُهلِكُ اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ ويُهلكُ المسيحَ الدجالَ، ثمَّ يموتُ هذا النبيُّ العظيمُ ويتوفاهُ اللهُ جلَّ في علاهُ كسائرِ خلقهِ. فقد روى أبو داودَ في سننهِ وأحمدُ في مسندِهِ والبيهقيُّ وغيرُهم أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "ليسَ بيني وبينَهُ نبيٌّ - يعني عيسى عليهِ السلامُ - وإنهُ نازلٌ، فإذا رأيتموهُ فاعرفوهُ: رجلٌ مربوعٌ إلى الحمرةِ والبياضِ، بينَ مُمَصّرَتينِ كأنَّ رأسَهُ يَقطُرُ وإن لم يُصِبْهُ بللٌ" إلى أنْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ "ويُهِلكُ اللهُ في زمانهِ المللَ كلَّها إلا الإسلامَ، ويُهلكُ المسيحَ الدجالَ، فيمكثُ في الأرضِ أربعينَ سنةً ثمَّ يُتوفّى فيُصلّي عليه المسلمونَ".
وقولُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "ثمّ يُتوفَّى فَيُصلّي عليهِ المسلمونَ" يُعلَمُ منهُ أنَّ اللهَ لَم يُـمِتهُ بَعدُ، إِنَّمَا رفعَهُ حيًّا منَ الأرضِ إلى السّماءِ يقظانَ، وأمّا قولُهُ تعالى:﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [سورة ءال عمران/55] فبحسبِ اللفظِ متوفّيكَ مقدَّمٌ، أمّا بحسبِ المعنى فمُتوفّيكَ مؤخَّرٌ ورافعُكَ مقدَّمٌ، فالتَّرتيبُ بحسبِ المعنى: إنّي رافعُكَ إليَّ أي إلى مَحلِّ كرامتي أي المكانِ الذي هو مُشَرَّفٌ عندي وهو السَّماءُ، "ومطهّرُكَ" أي مُخَلِّصُكَ منَ الذينَ كفروا، "ومُتوفّيكَ" أي مُميتُكَ بعدَ إنزالِكَ إلى الأرضِ في الوقت الذي شاءَ اللهُ. وهذا هو القولُ الصَّحيحُ الموافِقُ للأحاديثِ. وهكذا فَسَّرَ عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ ترجمانُ القرءانِ الآيةَ، أي من بابِ المقدَّمِ والمؤخَّرِ كما في قولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ ﴿4﴾ ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾﴿5﴾ [سورة الأعلى] الغُثاءُ اليابِسُ المتكسِّرُ والأحوى الأخضرُ، والنّباتُ أوّلًا يكونُ أحوًى أي أخضرَ ثُمَّ يكونُ غُثاءً أي يابسًا متكسّرًا.
ويجوزُ تفسيرُ ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ ﴿55﴾ أي قابضُكَ مِنَ الأرضِ وأنت حيٌّ.
﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾﴿55﴾ أي إلى محلِّ كرامتي وهي السماءُ الثانيةُ، كلا التفسيرينِ جائزٌ، إِنَّمَا الذي لا يجوزُ تفسيرُ متوفيكَ بِمَعنَى مُميتُكَ قبلَ رفعِكَ إلى السماءِ وإنزالِكَ إلى الأرضِ، لأنَّ هذا يعارِضُ حديثَ أبي داودَ المذكورَ.
وقد أخرجَ ابنُ أبي حاتمٍ والنسائيُّ عن ابنِ عبّاسٍ قالَ: كانَ عيسى معَ اثني عشرَ مِنْ أصحابهِ في بيتٍ فقالَ: إنَّ منكم مَنْ يكفُرُ بي بعدَ أنْ ءامَنَ، ثُمَّ قالَ: أيُّكم يُلقى عليهِ شَبَهي ويُقتَلُ مكاني فيكونُ رفيقي في الجنّةِ، فقامَ شابٌّ أحدثُهم سًنًّا مِنْ أتباعهِ مِنَ المؤمنينَ الطيبينَ فقالَ: أنا، قالَ: اجلِسْ، ثُمَّ عادَ فعَادَ، فقالَ: اجلسْ، ثُمَّ عَادَ فَعَادَ الثالثةَ، فقالَ: أنتَ هُوَ، فأُلقِيَ عليهِ شبهُهُ، ثم دخلَ الطلبُ ممن لم يؤمنوا بهِ فأُخذَ الشابُّ فَصُلِبَ بعدَ أن رُفِعَ عيسى عليهِ السَّلامُ إلى السماءِ وهو يقظٌ بروحِهِ وجسمِهِ مِنْ رَوزنةٍ في البيتِ - نافذةٌ في السطحِ يُصعدُ إليها، في زاويةٍ من البيتِ تكونُ- كانوا في الأولِ يعملون نوافذَ في السقفِ - وجاءَ الطلبُ ممن لم يؤمن بعيسى عليه السلامُ فأخذوا الشابَّ وقتلوهُ، اعتقدوهُ المسيحَ عليهِ السلامُ هذا الذي حصلَ، وهذا إسنادُهُ صحيحٌ.
فمن هذا كلِّهِ نعلمُ أنَّ عيسى عليهِ السلامُ ليسَ ربًّا ولا إلهًا، بل هو بشرٌ مِنْ ولدِ ءادمَ كما أخبرَ اللهُ عنه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [ ءال عمران/ 59 ]. وكما ذكرَ اللهُ ذلكَ على لسانهِ في أصدقِ كتابٍ في القرءانِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [سورة مريم/ 30]. ثُمَّ إنَّ عيسى عليهِ السلامُ يأكلُ ويشربُ وينامُ، ويقومُ ويتعبُ ويستريحُ ويمرضُ ويسقمُ، أما اللهُ تعالى فمنزهٌ عَنْ هذا كلهِّ كما قالَ تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [ سورة البقرة / 255]. سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا