أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

أخفى الله الساعة عن كل أحد

أخفى الله الساعة عن كل أحد

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الرحمنِ الرحيمِ مالكِ يومِ الدينِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ القويُّ المتينُ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا وسيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ بعثَهُ اللهُ بالهدى واليقينِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ وعلىءالهِ الطيبينَ الطاهرِينَ.
أما بعدُ فإنَّ ربَّنا تباركَ وتعالى قد خلقَ هذا الكونَ المُشاهَدَ بالحقِّ، وقد جعلَ لهُ أجلًا مسمًّى ينتهي إليهِ، وكلُّ مخلوقٍ في هذه الدنيا لهُ وقتٌ لا يتعداهُ كما قالَ تعالى: ﴿أَوَلَـمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ [سورة الروم / 8]، وقالَ تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سورة الأعراف/ 34]، وقالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ [سورة ءال عمران/145].
فإذا بلغَ الكتابُ أجلَهُ، واستوفى هذا الخلقُ المُشاهَدُ عمرَهُ واستوفى مدتَهُ التي أرادَها اللهُ، أفناهُ الربُّ سبحانَهُ تعالى وبدّلَهُ، وطوى الدنيا وأزالَها، فتشققتِ السماواتُ ودُكَّتِ الأرضُ واضمحلتِ الجبالُ فكانتْ سرابًا وكُوِّرتِ الشمسُ وخَسَفَ القمرُ وانكدرتِ النجومُ وتناثرتْ وسُجِّرتِ البحارُ، وصَعِقَ مَنْ في السماواتِ ومَنْ في الأرضِ فماتوا إلا مَنْ شاءَ اللهُ من نحوِ الحورِ العينِ.
وأقامَ اللهُ القيامةَ وأتتِ الساعةُ قالَ اللهُ تعالى: ﴿يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [سورة الحج/ 1 – 2]. في ذلكَ الوقتِ لو وُجدتْ مرضعةٌ كانت تذهلُ عمن ترضعُهُ، كذلك لو وُجدتْ حُبلى لأسقطتْ في الحالِ. ﴿وترى الناسَ سُكارى﴾ هذه حقيقةٌ تحتارُ عقولُهم، ليسوا سكارى عن خمرٍ إنما سكارى عن هَولٍ.
ويخلقُ اللهُ للساعةِ وما بعدَها عالَمًا ءاخرَ يتنعمُ فيهِ الصالحونَ لأعمالِهم الحسنةِ ويُعذَّبُ فيه أهلُ السيئاتِ بالعذابِ الأليمِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ﴾ [سورة إبراهيم/ 48 -50]، وقالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ* فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [سورة الروم/ 14 – 15 ].
وقد أخفى اللهُ وقتَ قيامِ الساعةِ عن كلِّ أحدٍ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿يسألونكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)﴾ [سورة النازعات] أي يسألُكَ كفارُ مكةَ متى وقوعُ الساعةِ وزمانُها استهزاءً، ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا(43)﴾ أي فيمَ يسألُكَ المشركونَ عنها ولستَ ممن يعلمُها حتى تذكرَها لهم؟ وفيهِ إنكارٌ على المشركينَ في مسألتِهم لهُ عليه السلامُ. ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)﴾ أي إلى اللهِ منتهى علمِ الساعةِ، فلا يُوجدُ عندَ غيرهِ علمُ وقتِها وزمنُها.
ثم إنهُ قد وردَ في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ عمرَ بنِ الخطابِ أنَّ جبريلَ عليهِ السلامُ جاءَ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالَ لهُ: متى الساعةُ؟ أي متى تقعُ القيامةُ؟ فقالَ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ما المسئولُ عنها بأعلمَ مِنَ السائلِ!! وهو جبريلُ والمسئولُ هو البشيرُ النذيرُ، لا يعلمانِ وقتَ قيامِ الساعةِ.
معنى كلامِ النبيِّ عليهِ السلامُ أنا لا أدري، اللهُ ما أعطاني علمَ ذلكَ ولا أنت تدري، كلانا سواءٌ في عدمِ العلمِ في وقتِ حلولِ يومِ القيامةِ، اللهُ تعالى ما أعطى علمَ ذلكَ لأحدٍ مِنْ خلقهِ لا لجبريلَ الذي هو مُقدَّمُ الملائكةِ ولا لسيدِنا محمدٍ الذي هو أشرفُ المرسلينَ. أَفَيَتَجَرَّأُ عاقلٌ بعدَ ذلكَ ليقولَ بأنهُ على علمٍ بوقتِ قيامِ الساعةِ؟! في صحيحِ البخاريِّ مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: "مفاتيحُ الغيبِ خمسٌ لايَعْلَمُهُنَّ إلا اللهُ" وتلا النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قولَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة لقمان/34].
ولكنَّ اللهَ تعالى جعلَ للساعةِ أماراتٍ وعلاماتٍ تدلُّ على قربِ وقوعِها ليستكثرَ الناسُ مِنَ الطاعاتِ ويبتعدوا عن المحرماتِ؛ ولتكونَ هذه العلاماتُ أحدَ المعجزاتِ لنبيِّنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الدالةِ على صدقِ رسالتهِ. وقد سمى القرءانُ هذه العلاماتِ والأماراتِ بالأشراطِ فقالَ سبحانَهُ وتعالى في كتابه العزيز: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [سورة محمد/18].
وإليكُمْ أيها الأحبةُ بعضَ أشراطِ الساعةِ، مع بعضِ الوقَفاتِ اليسيرةِ مع بعضِها، لعلَّها تُعلِّمُ جاهلَنا، وتُذَكِّرُ ناسيَنا، وتزيدُ المتذكرَ إيمانًا على إيمانهِ.
أسألُ اللهَ أن يجعلنيَ وإياكم ممن ذكرَهم اللهُ في القرءان الكريمِ بقولهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [سورة الزمر/18

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا