أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

لا تقوم الساعة حتى ينحسر الفرات عن جبل من ذهب

لا تقوم الساعة حتى ينحسر الفرات عن جبل من ذهب

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فمِن علاماتِ الساعةِ الصغرى التي أَخْبَرَ عنها الصادقُ المصدوقُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، والتي لم تقعْ إلى الآنَ ما جاءَ في البخاريِّ ومسلمٍ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو"، وفي روايةٍ: "لا تقومُ الساعةُ حتى يَحْسِرَ الفراتُ عن جبلٍ مِنْ ذهبٍ يَقتتلُ عليهِ الناسُ فيُقتلُ تسعةُ أعشارِهم ".
والفراتُ في أصلِ كلامِ العربِ أعذبُ المياهِ، ويلتقي بدِجلةَ قربَ واسطَ فيصيرانِ نهرًا واحدًا عظيمًا يصبُّ في بحرِ الهندِ الخليجِ العربيِّ، كما في معجمِ البلدانِ.
يقولُ النوويُّ في معنى انحسارِ الفراتِ انكشافُهُ لذهابِ مائهِ. اهـ كما في شرحِ صحيحِ مسلمٍ (18/ 98). وقد يكونُ بسببِ تحولِ مجراهُ، فإنَّ هذا الكنزَ أو هذا الجبلَ مطمورٌ بالترابِ، وهو غيرُ معروفٍ، فإذا ما تحولَ مجرى النهرِ لسببٍ مِنَ الأسبابِ، ومرَّ قريبًا مِنْ هذا الجبلِ كشفَهُ، واللهُ أعلمُ بالصوابِ.
ويقولُ الحافظُ ابنُ حجرٍ: وسببُ تسميتهِ كنزًا باعتبارِ حالهِ قبلَ أن ينكشفَ، وتسميتُهُ جبلًا للإشارةِ إلى كثرتهِ. الفتح (13/ 80 ).
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "لا تقومُ الساعةُ حتى يَحسِرَ الفراتُ عن جبلٍ مِنْ ذهبٍ" أي عن كَنْزٍ عظيمٍ مقدارِ جبلٍ مِنْ ذهبٍ "يقتتلُ الناسُ عليهِ" أي على تحصيلهِ وأَخْذِهِ "فيُقتَلُ مِنْ كلِّ مائةٍ تسعةٌ وتسعونَ" أي مِنَ الناسِ المتقاتلينَ "ويقولُ كلُّ رجلٍ منهم" أي مِنَ الناسِ أو من التسعةِ والتسعينَ " لعلي أكونُ أنا الذي أنجو" أي أنا الذي ينجو.
والظاهرُ مِنْ معنى هذا الحديثِ أن القتالَ يقعُ بينَ المسلمينَ أنفسِهم؛ لأنَّ قتالَ المسلمينَ مع أعدائِهم وغيرِهم يُسمى ملاحمَ؛ ولذلكَ قالَ بعضُ الرواةِ لهذا الحديثِ يُوصي ابنَهُ: "إن رأيتَهُ فلا تقربنَّهُ"، ليسَ فقط لا تأخذْ منهُ شيئًا، لا تقربنَّهُ.
وهؤلاءِ المقتتِلونَ يعلمونَ بأنَّ النجاةَ تكونُ لواحدٍ مِنْ مائةٍ، وأنَّ الهلاكَ سيكونُ حليفَ تسعةٍ وتسعينَ، ومع ذلكَ يقتتلونَ، ويرجو كلُّ واحدٍ منهم أنْ يكونَ هو ذلكَ الفائزَ الناجيَ فيَقتلُ الباقي في الحالِ، رجاءَ أن ينجوَ في المآلِ فيأخذ المالَ، وهذا مِن سوء الآمالِ، وتضييعِ الأعمالِ وشِدَّةِ الحرصِ على الدنيا في ذلكَ الوقتِ. وهذا الأمرُ لم يحصُلْ حتى الآنَ، بل هذا كلُّهُ قبلَ أن تأتيَ العلاماتُ الكبرى التي تكونُ بينَ يدي الساعةِ.
وقد اختلفَ الأئمةُ في تحديدِ زمنِ حدوثِ ذلكَ، فذهبَ الإمامُ البخاريُّ إلى أنهُ يقعُ مع خروجِ النارِ، إذْ أدخلَ حديثَ حسرِ الفراتِ تحتَ بابِ خروجِ النارِ، وأوردَ حديثَ أبي هريرةَ وحارثةَ بنِ وهبٍ. ولفظُ حديثِ حارثةَ هو: "تصدَّقوا، فسيأتي عليكم زمانٌ يمشي الرجلُ بصدقتهِ فيقولُ الذي يأتيهِ بها: لو جئتَ بها بالأمسِ لقبلتُها فأما الآنَ فلا حاجةَ لي بها، فلا يجدُ مَنْ يقبلُها" كما في الفتحِ لابنِ حجرٍ (13/ 81_ 82).
وذهبَ الحليميُّ في المنهاجِ في شعبِ الإيمانِ إلى أنهُ يقعُ في زمنِ عيسى ابنِ مريمَ عليهما السلامُ، فإنهُ ذكرَ حديثَ حسرِ الفراتِ ثم قالَ: فيُشبهُ أن يكونَ هذا الزمانَ الذي أخبرَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ المالَ يفيضُ فيهِ فلا يقبلُهُ أحدٌ، وذلك في زمانِ عيسى عليهِ السلامُ، ولعلَّ سببَ هذا الفيضِ العظيمِ ذلك الجبلُ مع ما يغنمُهُ المسلمونَ مِنْ أموالِ المشركينَ، واللهُ أعلمُ. المنهاج (1 / 430).
اللهمَّ إنّا نسألكَ أن لا تدعَ لنا ذنبًا إلا غفرتَهُ ولا دينًا إلا قضيتَهُ ولا مريضًا إلا شفيتَهُ ولا غائبًا موحدًا إلا رددتَهُ سالمًا برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ والحمدُ للهِ العليِّ الكبيرِ الحكمِ العدلِ اللطيفِ الخبير

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا