أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

من أشراط الساعة انتشار الربا

من أشراط الساعة انتشار الربا

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ وله الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالِهِ الطيبينَ الطاهرِينَ.
أما بعدُ فإنَّ مِنْ أشراطِ الساعةِ التي أخبرَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عنها ظهورَ الربا وانتشارَهُ بينَ الناسِ والعياذُ باللهِ وعدمَ المبالاةِ بمصدرِ المالِ وأكلَ الحرامِ، ودليلُ ذلكَ ما أخرجَهُ الطبرانيُّ في "الأوسطِ" مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "بينَ يدي الساعةِ يظهرُ الربا". وفي الصحيحِ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ لا يبالي المرءُ بما أخذَ المالَ، أمِنْ حلالٍ أمْ مِنْ حرامٍ".
وهذهِ الأحاديثُ تنطبقُ على كثيرٍ مِنَ المسلمينَ في هذا الزمنِ فتجدُهم لا يتحرونَ الحلالَ في المكاسبِ بل يَجمعونَ المالَ مِنَ الحلالِ والحرامِ، وأغلبُ ذلكَ بدخولِ الربا في معاملاتِ الناسِ ووقعَ كثيرٌ مِنَ الناسِ في هذا البلاءِ العظيمِ.
ومِنْ فقهِ الإمامِ البخاريِّ رحمَهُ اللهُ أنهُ أوردَ حديثَ أبي هريرةَ السابقَ في بابِ قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [ سورة ءال عمران/ 130] ليُبَيّنَ أنَّ أكلَ الأضعافِ المضاعفةِ مِنَ الربا يكونُ بالتوسعِ فيهِ عندَ عدمِ مبالاةِ الناسِ بطُرُقِ جمعِ المالِ وعدمِ التمييزِ بينَ الحلالِ والحرامِ. فقدْ كانَ العربُ كلَّ شهرٍ يزيدونَ على المقترضِ إذا لم يَردَّ المالَ، فربما تضاعفَ القليلُ حتى يصيرَ كثيرًا مضاعفًا . فجاءَ النهيُ لينتهُوا عَنِ الربا قليلهِ وكثيرهِ، وهذه مِنْ جملةِ البلاغاتِ ذكرُ النهيِ عنِ الكثيرِ لاستدراجِ المخاطبينَ إلى الانتهاءِ عَنِ الكثيرِ والقليلِ. وأمرَ تعالى عبادَهُ بالتقوى لعلَّهم يفلحونَ في الأولى والأخرى.
وقد حذَّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التعاملِ بالربا، ولعنَ مَنْ فعلَ ذلكَ، فقد أخرجَ الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ من حديثِ جابرٍ رضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "لعنَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ءاكلَ الربا ومُوكِلَهُ وكاتبَهُ وشاهِدَيْهِ".
كما توعَّدَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى مَن يتعاملُ بالربا بحربٍ لا طاقةَ لهُ بها مِنَ اللهِ ورسولهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة/ 278- 279].
فاحذروا مِنَ الربا، فإنهُ وبالٌ وشقاءٌ، وضنكٌ وبلاءٌ، وعاقبتُهُ إلى قلةٍ ونقصانٍ، كما روى ابنُ ماجَهْ وغيرُهُ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "ما أحدٌ أكثَرَ مِنَ الرِّبَا إلا كانَ عَاقِبَةُ أَمرِه إلى قِلّةٍ". ورغمَ ذلكَ كلهِ، فقد انتشرتِ التعاملاتُ الربويةُ وغيرُها مِنَ المعاملاتِ المُحرَّمةِ، طلبًا لزيادةِ المالِ. هؤلاءِ نُذكِّرُهم بقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كما في مسندِ الإمامِ أحمدَ: "كلُّ جسدٍ نبتَ مِنْ سُحتٍ فالنارُ أولى بهِ".
فعلى الإنسانِ أن يتحرَّى الحلالَ، ولا أقولُ يتركُ الحرامَ فقط بل يتركُ الشبهاتِ، أخرجَ البخاريُّ ومسلِمٌ عن أبي عبدِ اللهِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: "إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ".
الشبهاتُ ما لم يتضحْ أمرُها، تشبهُ الحلالَ من ناحيةٍ، وتُشبهُ الحرامَ من ناحيةٍ، الأمورُ التي لم يتبينْ أنها حلالٌ أو حرامٌ فيها اشتباهٌ، هذه تركُها خيرٌ، أما من تتبَّعَها فلا بدَّ أن يقعَ في الحرامِ. ومعنى استبرأَ طلبَ البراءةَ حصَّلَ السلامةَ. والعِرضُ هو محلُّ الذمِّ والمدحِ.
فلْيَحْذَرِ المؤْمِنُ منْ جميعِ أنواعِ الرّبا ولا يَسْتَهِنْ بِشىءٍ مِنَ الرِّبا فإنَّ عاقِبَةَ الرّبا وَخيمَةٌ، وقدْ ظَهَرَ مِنْ أناسٍ بعدَ وفاتِهِمْ وَهُمْ في قبورِهِمْ ءاثارٌ من عَذَابِ القَبْرِ وكانوا معروفينَ بالرّبا. كانَ فيما مضى رَجلٌ مَعْروفٌ بالمُراباةِ وكانَ فيهِ تَجَبُّرٌ على الناسِ حتى إنَّهُ كانَ مرَّةً في موكبٍ وهوَ راكبٌ بغلةً فرأى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ فَأَخَذَها قَهْرًا وزوجُها رجلٌ مسكينٌ ضعيفٌ، ثمَّ ماتَ هذا الرّجُلُ المرابي فَصَارَ يَطْلعُ مِنْ قَبْرِهِ الدُّخانُ صارَ أهلُهُ يَجْمعونَ لَهُ المشايِخَ، فَقالَ لهمْ بعْضُ المشايِخِ: «اسْتَسْمحوا لهُ الناسَ الذينَ كانَ يأْخُذُ منهمُ المالَ بالقرضِ» لأنَّهُ اشترَطَ بإقْراضِهِ لهُمْ جَرَّ منفعةٍ لهُ، فصاروا يدُورُونَ على الناسِ ويقولونَ لهذا سامِحْ فُلانًا ولِهذا ولِهذا، وكثيرٌ مِنَ الناسِ يَقرأونَ لَهُ على القَبْرِ ثُمَّ بَعْدَ سَبْعَةِ أيَّامٍ انْقَطَعَ هذا الدُّخانُ مِنْ قبرِهِ. وما يَسْتُرُهُ اللهُ أكثرُ، إنما يُظْهِرُ القليلَ منَ الكثيرِ. اللهُ تباركَ وتعالى يُخفي حالَ أكثرِ المرابينَ ولا سيَّما في هذا العصرِ، وما أكثرَ عدَدَهُم.
اتقوا اللهَ فالدنيا لا تغني عَنِ الآخرةِ وقد قالَ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ عن عمرهِ فيما أفناهُ وعن جسمهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ من أينَ أخذَهُ وفيما أنفقَهُ وعنْ علمهِ ماذا عملَ بهِ" المعنى أنَّ الإنسانَ يُسألُ قبلَ أن يفارقَ موقفَ القيامةِ، قبلَ أن يؤمرَ بهِ إلى الجنّةِ أو النّارِ، يُسألُ عن عُمْرهِ فيما أفناهُ وعن جسمهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ مِنْ أينَ أخذَهُ وفيما أنفقَهُ فإنْ أخذَ المالَ مِنْ حلالٍ وصَرَفَهُ في حلالٍ سَلِمَ، وإلاَّ فُهوَ اسْتَحَقَّ العُقُوبةَ. فمهما جمعَ الإنسانُ مِنَ المالِ الحرامِ وتنعَّمَ بهِ فإنهُ زائلٌ. فعليكم بتقوى اللهِ وذكرِ الآخرةِ وذكرِ الموتِ قالَ اللهُ تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ﴾ الايةَ، فمهما جمعَ الإنسانُ من المالِ وتنعَّمَ بأنواعِ الملذاتِ والمشتهياتِ لا بُدَّ أن يفارقَ ذلكَ بالموتِ. اللَّهُمَ اكْفِنا بِحَلالِكَ عنْ حرامِكَ وبِطاعَتِكَ عنْ مَعْصِيَتِكَ وأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عمَّنْ سِوَاكَ يا أرحَمَ الراحِمينَ. اللهمَّ جَنّبْنا الحرامَ وارزُقْنا التُّقَى والغِنَى والعفافَ والعفَّةَ والتعفُّفَ يا أرحمَ الراحمينَ يا ربَّ العالمينَ يا الله

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا