أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

يأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ

يأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فإنَّ طلبَ الحلالِ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀَ ﺍﻟﺸﺮﻉُ ﺍﻟﺤﻨﻴﻒُ ﺑﺎﻟﺤﺚِّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻌﻲِ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞِ ﺍﻟﻤﺎﻝِ ﻭﺍﻛﺘﺴﺎﺑﻪِ. فعلى مَنْ أرادَ تحصيلَ المالِ لحاجةِ نفسهِ أو حاجةِ عيالهِ أن يسعى للتحصيلِ بطريقٍ مباحٍ شرعًا، قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين﴾ [سورة البقرة/68].
فالرزقُ ليسَ مقصورًا على الحلالِ بل يشملُ الحلالَ والحرامَ وإن كانَ بينَهما فرقٌ من حيثُ العاقبةُ، فإنَّ الرزقَ الحلالَ ليسَ فيهِ وبالٌ على صاحبهِ. وأما الحرامُ فإنهُ وبالٌ على صاحبهِ وبسببهِ ﻳﻘﺴﻮ ﺍﻟﻘﻠﺐُ ﻭﻳﻨﻄﻔﺊُ ﻧﻮﺭُ الإﻳﻤﺎﻥِ ﻭﻳﻤﻨﻊُ ﺇﺟﺎﺑﺔَ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀِ، بل ﺇﻥَّ ﻭﺑﺎﻝَ ﺍﻟﻜﺴﺐِ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡِ ﻳﻜﻮﻥُ ﻋﻠﻰ الأمةِ ﻛﻠِّﻬﺎ؛ ﻓﺒﺴﺒﺒﻪِ ﺗﻔﺸﻮ ﻣﺴﺎﻭﺉُ الأﺧﻼﻕِ ﻣﻦْ ﺳﺮﻗﺔٍ ﻭﻏﺼﺐٍ، ﻭﺭِﺷﻮﺓٍ ﻭﺭﺑﺎ، ﻭﻏﺶٍّ ﻭﺍﺣﺘﻜﺎﺭٍ، ﻭﺗﻄﻔﻴﻒٍ ﻟﻠﻜﻴﻞِ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥِ، ﻭﺃﻛﻞِ ﻣﺎﻝِ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢِ، ﻭﺃﻛﻞِ ﺃﻣﻮﺍﻝِ ﺍﻟﻨﺎﺱِ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞِ، ﻭﺷﻴﻮﻉِ ﺍﻟﻔﻮﺍﺣﺶِ ﻣﺎ ﻇﻬﺮَ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﺑﻄﻦَ.
وها نحنُ في الوقتِ الذي أخبرَنا النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ﺑﺄﻧﻪُ ﺳﻮﻑَ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱِ ﺯﻣﺎﻥٌ ﻳﺘﻬﺎﻭﻧﻮﻥَ ﻓﻴﻪِ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔِ ﺍﻟﻜﺴﺐِ ﻓﻼ يُدَقِّقُونَ ولا ﻳُﺤَﻘِّﻘُﻮﻥَ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﺳﺒِﻬﻢ، إنما همُّهم أنْ يَحْصلوا على المالِ ولا يدرونَ أنَّ الإنسانَ يُسألُ عن المالِ الحلالِ مِنْ أينَ أخذَهُ وفيمَ أنفقَهُ؟ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ" رواهُ البخاريُّ.
وصدقَ مصباحُ التوحيدِ سيدُنا عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ حينَ قالَ: "الدنيا حلالُها حسابٌ وحرامُها عقابٌ". فقولُهُ رضيَ اللهُ عنهُ "حلالُها حسابٌ" معناهُ أنَّ الإنسانَ يُسألُ عَنِ المالِ الذي دخلَ عليهِ في الدنيا مِنْ أينَ أخذَهُ؟ فإنْ أخذَهُ مِنْ حلالٍ نجا وما عليهِ عقوبةٌ، وإنْ كانَ جمعَهُ مِنْ حرامٍ يستحقُّ العقابَ، ولو صرفَهُ في طرقِ الخيرِ، إنما السالمُ المؤمنُ الذي اتقى ربَّهُ عزَّ وجلَّ وجمعَ ما وصلَ إليهِ مِنَ المالِ بطريقٍ حلالٍ وصرفَهُ في طريقٍ مباحٍ.
وفي صحيحِ البخاريِّ أنَّ نبيَّ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "إنَّ هذا المالَ حلوةٌ خَضِرَةٌ، فمَنْ أخذَهُ بحقِّهِ ووضعَهُ في حقِّهِ فنعمَ المعونةُ، وأما مِنْ أخذَهُ بغيرِ حقِّهِ ووضعَهُ في غيرِ حقِّهِ فهو كالآكلِ لا يشبعُ". شبّهَ رسولُ اللهِ المالَ بالخضرةِ الحلوةِ الحسنةِ المنظرِ "إنَّ هذا المالَ حلوةٌ خضرةٌ" ونعمَ التشبيهُ، فإنَّ النفسَ تشتهي المالَ كما تميلُ إلى الخضراواتِ المستحسنةِ التي تشتهيها العينُ. ثم فصّلَ في المالِ فقالَ: "فمن أخذَهُ بحقِّهِ ووضعَهُ في موضعهِ فنعمَ المعونةُ" لأنهُ يُساعدُ على الخيرِ فهذا المالُ الذي أخذَهُ مِنَ الموضعِ الذي أحلَّهُ اللهُ ووضعَهُ فيما أحلَّ اللهُ كانَ ذلكَ عونًا على ءاخرتهِ؛ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى جعلَ هذا المالَ وسيلةً لكسبِ المثوباتِ والأجورِ في الآخرةِ.
عجبًا، عجبًا لمن يتزودُ بالفانياتِ والمحرماتِ، ويتركُ الباقياتِ الصالحاتِ، والباقياتُ الصالحاتُ خيرٌ عندَ ربِّكَ ثوابًا وخيرٌ أملا. هذه الدنيا ساعةٌ فاجعلها طاعةً، والنفسُ طماعةٌ عَوِّدْها القناعةَ، وتذكَّرْ أنكَ كراكبٍ استظلَّ تحتَ ظلِّ شجرةٍ ثم راحَ وتركَها وأنَّ المالَ الممدوحَ مبارَكٌ فيهِ ولنعمَ المالُ هو، وأنَّ المالَ المذمومَ غيرُ مباركٍ فيهِ ولبئسَ المالُ هو.
اللهمَّ إنَّا دعوناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا اللهمَّ اغفرْ لنا وللمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ. اللهمَّ نَقِّنا منَ الذنوبِ والخطايا كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ مِنَ الدنسِ، اللهمَّ اغسِلْ خطايانا بالماءِ والثلجِ والبردِ، اللهمَّ لا تغسلْها بالنار

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا