أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

صنفان من أمتي لم أرهما

صنفان من أمتي لم أرهما

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والعاقبةُ للمتقينَ وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ سيدِ المرسلينَ وعلى ءالهِ وصحبهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فيقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في محكمِ كتابهِ الكريمِ: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)﴾ [سورة الحج].
أحبابَنا حدثناكُمْ في الدرسِ الماضي عَنْ بعضِ أماراتِ الساعةِ الصغرى، واليومَ نُكملُ معكم بإذنِ اللهِ ربِّ العالمينَ فيما أخبرَ عنها النبيُّ في حديثِهِ الذي رواهُ مسلمٌ والبيهقيُّ وأحمدُ فقد قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "صنفانِ مِنْ أمتي لَـم أَرَهُما قومٌ مَعَهم سِيَاطٌ كأذنابِ البَقَرِ يضربونَ بِهَا الناسَ ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مُميلاتٌ مائلاتٌ رءوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ لا يَدخُلنَ الجنةَ ولا يَجِدنَ ريحَهَا وإنَّ ريحَهَا لَيوجَدُ مِنْ مسيرةِ كَذَا وكَذَا" وهو صحيحُ الإسنادِ.
"صنفانِ مِنْ أمتي" هذانِ الصنفانِ يقولُ الرسولُ إنهما في النار، هما من أمتي لكنهما من أهل النار "لَـم أرهما ـ أي سيأتونَ مِنْ بعدي ـ قومٌ مَعَهم سِيَاطٌ كأذنابِ البَقَرِ يضربونَ بِهَا الناسَ"، ثُمَّ قالَ:"ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مُميلاتٌ مائلاتٌ"، هؤلاءِ النساءُ تفسيرُهن أنهنَّ يلبَسْنَ ثيابًا لا تسترُ جَمِيعَ العورةِ وأنهنَّ مائلاتٌ عَنْ طاعةِ اللهِ ويُمِلنَ غيرَهُنْ عن طاعةِ اللهِ أي فاجراتٌ يُوقِعْنَ الناسَ بالفجورِ يرمِينَ الناسَ في الزنى أي يدعونَ إلى الزنا، "رءُوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ" يرفعنَ رؤوسَهُنَّ إلى أعلى كأَسنِمَةِ البُخْتِ، الإبلِ العجميةِ التي لها سنامانِ، إبلٌ لهُ سنامانِ وهي الإبلُ العجميةُ. وإبلٌ لهُ سنامٌ واحدٌ وهو الإبلُ العربيُّ.
فقولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " كأسنمةِ البختِ المائلةِ" أي يُطولنَ رؤوسَهُنَّ إلى فوقُ حتى يكونَ متقومًا مثلَ سنامِ الإبلِ العجميِّ أي يرفَعنَ رؤوسَهُنَّ ليُعْجَبَ بهنَّ الناسُ أو يمشِينَ مِشيةً خاصّةً يُمَيَّزنَ بِهَا عَنْ غيرِهنَّ، وهذا حَصَلَ في بعضِ ما مضَى من الزمنِ في بغدادَ وغيرِها، وليسَ هذا الحديثُ منطبقًا تمامَ الانطباقِ على مجردِ اللاتي يكشفنَ شيئًا مِنْ عوراتِهِنَّ، يُغَطِّينَ بعضَ ما يجبُ عليهنَّ سترُهُ مِنْ أبدانِهِنَّ ويَكْشِفْنَ بعضًا ءاخرَ، لمجردِ هذا لا يدخلنَ تحتَ هذا الحديثِ، لمجردِ كَشْفِ الرأسِ والعُنُقِ والعَضُدِ والساقِ لا يَدْخُلْنَ؛ لأنَّ هذه لا يَصِلُ عقابُها إلى هذا الحدِّ، بل أولئكَ يَزدنَ على ذلكَ أنهنَّ زانياتٌ، أخبرَ الرسولُ عنهنَّ في تتِمَّةِ الحديثِ أنهُنَّ "لا يَدخُلنَ الجنةَ" الرسولُ قالَ عَنْ هؤلاءِ النساءِ اللاتي جَمَعْنَ هذه الأوصافَ الثلاثةَ أنهنَّ "لا يدخلونَ الجنةَ" أي مَعَ الأولينَ "ولا يَجِدنَ ريحَهَا وإنَّ ريحَهَا لَيوجَدُ مِنْ مسيرةِ كَذَا وكَذَا"، وهذا أيضًا حصلَ.
فهذا الحديثُ لا ينطبقُ إلا على التي تزني، ترمي الناسَ في الزنا، وتكشفُ بعضَ ما فرضَ اللهُ عليها مِنْ بدنِها لتغريَ الناسَ، وتصنعُ أمرًا للإغراءِ. على هؤلاءِ ينطبقُ هذا الحديثُ ليسَ على التي تؤمنُ باللهِ ورسولِهِ ولا تَقْصِدُ أن ترميَ الناسَ في الفجورِ وفي الزنا، إنما قد تخرجُ في هذا العصرِ مراعاةً لعادةِ أمثالِها، تكشفُ رأسَها وسيقانَها. قالَ أهلُ العلمِ هو الحديثُ إذا لم يُورَدْ في محلهِ صارَ فتنةً على مَنْ أوردَهُ وعلى مَنْ سمعَهُ، فَحَمْلُهُ على غيرِ وجههِ فتنةٌ، كذلكَ الآياتُ القرءانيةُ كثيرٌ منها مَنْ حملَها على غيرِ وجهِها صارتْ فتنةً لَهُ ولمن سمعَهُ.
لذا ينبغي أنْ لا يستعجلَ الإنسانُ في الاستدلالِ بالقرءانِ حتى لا يتورطَ في تحريفِ القرءانِ، القرءانُ ذو وجوهٍ كما قالَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ تأتي الكلمةُ الواحدةُ لمعنَيَينِ ولأكثرَ مِنْ حيثُ لغةُ العربِ، فبعضُ هذه المعاني يصحُّ تفسيرُ القرءانِ بهِ، والبعضُ الآخرُ لا يصحُّ تفسيرُ القرءانِ بهِ، فسبيلُ النّجاةِ أن يتّبعَ الإنسانُ القرءانَ والحديثَ على مقتضى ما فهمَهُ أئمةُ الهدى الشافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ وأبو حنيفةَ والجنيدُ بنُ محمدٍ البغداديُّ شيخُ الصوفيةِ وأمثالُهم.
أسألُ اللهَ أنْ يجعلني وإياكم جميعًا ممن يستمعونَ القولَ فيتِّبِعونَ أحسنَهُ، اللّهُمَّ يا ربَّنا إنّا دَعَوْناكَ فاستجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فاغفِرِ اللّهُمّ لنا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا في أمْرِنَا وَكَفِّرْ عنّا سيّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا بِرَحمتِكَ مُؤمنينَ يا ربَّ العالمينَ

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا