أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

إنَّ مِنَ اقترابِ الساعةِ أنْ يؤذيَ الجارُ جارَهُ

إنَّ مِنَ اقترابِ الساعةِ أنْ يؤذيَ الجارُ جارَهُ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الرحمنِ الرحيمِ مالكِ يومِ الدينِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ القويُّ المتينُ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ بعثَهُ اللهُ بالهدى واليقينِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فقد روى الطبرانيُّ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مِنْ أشراطِ الساعةِ: سوءُ الجوارِ، وقطيعةُ الأرحامِ" الحديثَ.
وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: " لا تقومُ الساعةُ حتى يظهرَ الفُحشُ، والتفاحشُ، وقطيعةُ الرحمِ، وسوءُ المجاورةِ" الحديثَ. أما ابنُ أبي شيبةَ فروى عن سلمانَ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ: "إنَّ مِنَ اقترابِ الساعةِ أن يؤذيَ الجارُ جارَهُ".
إنَّ حقَّ الجارِ على جارِهِ مؤكَّدٌ بالآياتِ البيناتِ، والأحاديثِ الواضحةِ، فهو شريعةٌ محكمةٌ، وسنةٌ قائمةٌ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخورًا﴾.
لقد أمرَ تباركَ وتعالى بحفظِ الجارِ والقيامِ بحقهِ، فالجارُ لهُ حقٌّ عليكَ بل حقوقٌ، فقد روى البخاريُّ عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجارِ حتى ظننتُ أنهُ سيُوَرِّثُهُ". حقُّ الجارِ عظيمٌ، ومما يدلُّ على أهميةِ حقِّ الجارِ أنَّ اللهَ عظَّمَ الخطيئةَ في حقِّ الجارِ، ومِنْ أعظمِ صورِ الإيذاءِ إيذاءُ الجارِ في أهلهِ لِما وردَ في الحديثِ الصحيحِ الذي رواهُ البخاريُّ قالَ: عن عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: سألتُ أو سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ الذنبِ عندَ اللهِ أكبرُ؟ قالَ: "أنْ تجعلَ للهِ نِدًّا وهو خلقَكَ" قلتُ: ثم أيُّ؟ قالَ: "أن تَقتلَ ولدَك خشيةَ أن يَطعمَ معكَ" قلتُ: ثم أيُّ؟ قالَ: "أن تُزانيَ بحليلةِ جارِكَ" أي الزنا بزوجةِ الجارِ أشدُّ مِنَ الزنا بغيرِها، أشدُّ منَ الزنا بغيرِها عشرَ مراتٍ، ذنبُهُ مضاعفٌ عشرَ مراتٍ.
إنَّ اللهَ جَعَلَ للجارِ حُقوقًا شرعيةً على جيرانِهِ، فإذا قامَ بها المسلمونَ بينَهم سادتِ الألفةُ والمحبةُ والتعاونُ والتسامحُ بينَهم، فمنْ حقوقِ الجارِ كفُّ الأذى عنهُ، وهذا الحقُّ واجبٌ على المسلمينَ. روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "منْ كانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يؤذِ جارَهُ". فمؤذي الجارِ ناقصُ كمالِ الإيمانِ، من ابتُليَ بجارٍ يؤذيهِ عليهِ بالصبرِ والاحتسابِ. اللهُ جاعلٌ لهُ مِنْ ذلكَ مخرجًا، فتنبَّهْ ونبِّهْ جيرانَكَ بالحسنى إلى تركِ ما يُسببُ الإزعاجَ للجيرانِ.
ومِنْ صُورِ إيذاءِ الجارِ حسَدُهُ وتمني زوالِ النعمةِ عنهُ، أو السخريةُ بهِ واحتقارُهُ، أو إشاعةُ أخبارِهِ وأسرارِهِ بينَ الناسِ، أو الكذبُ عليهِ وتنفيرُ الناسِ منهُ، أو تتبّعُ عثراتِه والفرحُ بزلاتهِ، أو مضايقتُهُ في المسكنِ ونحوِ ذلكَ، أو إلقاءُ الأذى عندَ بابهِ، أو التطلّعُ إلى عوراتِهِ ومحارمِهِ، أو إزعاجُهُ بالصُّراخِ والأصواتِ المنكرةِ، أو إيذاؤهُ في أبنائهِ.
أحبابَنا إنَّ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى علينا في هذه الشريعةِ المباركةِ أنْ ألَّفَ بينَ قلوبِ المؤمنينَ، وجمعَ شتاتَها، ولمَّ شَعَثَها، وقد شرَعَ اللهُ تباركَ وتعالى لتحقيقِ ذلك شرائعَ، وحدَّ حدودًا، ففرضَ سبحانَهُ وتعالى على المؤمنينَ واجباتٍ وحقوقًا لبعضِهم على بعضٍ، تُصلِحُ ذاتَ بينِهم، وتَجمعُ قلوبَهم، وتؤلِّفُ بينَ صدورِهم، فكانَ من تلكَ الشرائعِ حقُّ الجوارِ.
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجِبْ لنا دعاءَنا، اللهمَّ إنا نسألُكَ حسنَ الحالِ وحسنَ الجوارِ وحسنَ الختامِ وأنْ نتخلَّقَ بالأخلاقِ الحميدةِ الحسنةِ وأن تجعلنا منَ الجيرانِ الصالحينَ الذينَ مدحَهم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إنكَ على كلِّ شىءٍ قديرٌ. وءاخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا