أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

من أشراط الساعة انتشار الزنا

من أشراط الساعة انتشار الزنا

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فإنَّ مِنْ أشراطِ الساعةِ التي أخبرَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بها انتشارَ الزنا والعياذُ باللهِ وكثرتَهُ بينَ الناسِ، فقد ثبتَ في الصحيحينَ عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "إنَّ مِنْ أشراطِ الساعةِ أن يُرفَعَ العلمُ ويَثبُتَ الجهلُ ويُشربَ الخمرُ ويظهرَ الزنا" رواهُ أحمدُ والترمذيُّ، وفي روايةٍ لمسلمٍ وابنِ ماجَهْ بلفظِ "ويفشوَ الزنا". وذلكَ دليلُ فسادِ الزمانِ وتدهورِ أخلاقِ أهلهِ، والسببُ في ذلكَ الجهلُ بالدينِ، وسوءُ الخُلقِ، وضياعُ الأمانةِ، وفشوُّ الخيانةِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ.
إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى حرّمَ الزنا تحريمًا قاطعًا في كتابهِ الكريمِ وعلى لسانِ نبيهِ صلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ، فقالَ سبحانَهُ وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [ سورة الإسراء/32] إلى غيرِ ذلكَ منَ الآياتِ. وأما الأحاديثُ فهي كثيرةٌ جدًّا منها حديثُ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنه قالَ: سألتُ أو سُئلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: أيُّ الذنبِ عندَ اللهِ أكبرُ؟ قالَ: " أنْ تجعلَ للهِ نِدًّا وهو خلقَكَ" قلتُ: ثمَّ أيّ؟ قالَ: "أن تقتلَ ولدَكَ خشيةَ أن يطعَمَ معكَ". قلتُ: ثمَّ أيّ؟ قالَ: " أن تزانيَ بحليلةِ جاركَ"، قالَ: ونزلتْ هذه الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [ سورة الفرقان/68] رواهُ البخاريُّ.
فالزنا وإن لم يكنْ كفرًا لكنهُ يأتي في المرتبةِ الثالثةِ في تسلسلِ الكبائرِ فهو يأتي بعدَ الكفرِ الذي هو أعظمُ الذنوبِ على الإطلاقِ ثم قتلُ النفسِ التي حرَّمَ اللهُ قتلَها.
وقَدْ أخبرَ النبيُّ عن ارتكابِ الزنا في الطرقاتِ علنًا في ءاخرِ الزمانِ، ويبدو واللهُ أعلمُ أنَّ ذلكَ يكونُ بعدَ ذهابِ المؤمنينَ، حين لا يبقى إلا شِرارُ الخلقِ يتهارجونَ تهارجَ الحُمُرِ، كما جاءَ ذلكَ مصرَّحًا بهِ في حديثِ النواسِ بنِ سمعانَ رَضيَ اللهُ عنهُ في ذكرِ الدجّالِ وصفتهِ، وفي ءاخرِ الحديثِ قالَ: "فبينَما هُمْ كذلكَ إذ بعثَ اللهُ ريحًا طيبةً فتأخذُهم تحتَ ءاباطِهم فتقبضُ روحَ كلَّ مؤمنٍ وكلَّ مسلمٍ، ويبقى شِرارُ الناسِ يتهارجونَ فيها تهارجَ الحُمُرِ، فعليهم تقومُ الساعةُ" رواهُ مسلمٌ.
قالَ الإمامُ النوويُّ في شرحِ الحديثِ: قولُهُ: "يتهارجونَ تهارجَ الحُمُرِ" أي يُجامعُ الرجالُ النساءَ علانيةً بحضرةِ الناسِ، كما تفعلُ الحمُرُ ولا يكترثونَ لذلكَ. وقالَ ابنُ الأثيرِ في النهايةِ في غريبِ الحديثِ: وأصلُ الهَرْجِ الكثرةُ في الشىءِ والاتساعُ، قالَ: ومنهُ حديثُ أبي الدرداءِ: " يتهارجونَ تهارجَ البهائمِ" أي يتسافدونَ يزنون.
وفي حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ قالَ:" والذي نفسي بيدهِ، لا تفنى هذه الأمةُ حتى يقومَ الرجلُ إلى المرأةِ فيفترشَها في الطريقِ فيكونَ خيارُهم يومئذٍ منْ يقولُ لو واريتَها وراءَ هذا الحائطِ " أخرجَهُ أبو يعلى في مسندهِ. فهذا الحديثُ عَلَمٌ من أعلامِ النبوةِ إذ أخبرَ عن أمورٍ ستقعُ فوقعتْ.
فلو تمسَّكَ المسلمونَ بتعاليمِ دينِهم لطهُرتْ مجتمعاتُهم، وعفَّ الرجالُ والنساءُ، وعاشَ الكلُّ في أمنٍ وأمانٍ، فإذا فسدَ الحالُ وتغيرَّتْ أمورُ المسلمينَ وانتشرتْ فيهمُ الفاحشةُ دلَّ ذلكَ على تغيُّرِ الزمانِ وقربِ قيامِ الساعةِ، ولن تقومَ الساعةُ إلا على شرارِ الخَلقِ.
الزنا من أفحشِ الفواحشِ، وأحطِّ القاذوراتِ، وينتهكُ الأعراضَ، عارُهُ يهدمُ البيوتَ ويطأطئُ الرؤوسَ، ويسوِّدُ الوجوهُ، ويُهبطُ بالرجلِ العزيزِ إلى هاويةٍ مِنَ الذلِّ والحقارةِ والازدراءِ، ويُخفضُ عاليَ الذكرِ مهما ارتفعَ. إنَّ الزنا يجمعُ خصالَ الشرَّ فإنهُ ينزعُ الحياءَ ويُذهبُ الورعَ ويُزيلُ المروءةَ، ويَطمسُ نورَ القلبِ، ويَجلبُ غضبَ الربِّ، إنهُ إذا انتشرَ أفسدَ نظامَ العالمِ في حفظِ الأنسابِ، وحمايةِ الأبضاعِ، وصيانةِ الحُرُماتِ، والحفاظِ على روابطِ الأسَرِ وتماسكِ المجتمعاتِ، لقد أخبرَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بأنَّ المجتمعَ كلَّهُ يصيبُهُ الأمراضُ والأوجاعُ بسببِ انتشارِ الزنا، يقولُ ابنُ عمرَ رَضيَ اللهُ عنهما: أقبلَ علينا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالَ: " يا معشرَ المهاجرينَ خمسٌ إذا ابتليتُم بهنَّ _ وأعوذُ باللهِ أن تدركُوهُنَّ _ لم تظهرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تكن مضتْ في أسلافِهم الذين مضوا". الحديثَ، وهذا حديثٌ صحيحٌ رواهُ ابنُ ماجَهْ والحاكمُ وغيرُهما.
لذا حريٌّ بالمؤمنِ والمؤمنةِ صيانةُ النفسِ وغضُّ البصرِ وحفظُ الفرجِ والتحررُ من مخالطةِ أهلِ الفجورِ مع دوامِ سؤالِ اللهِ عزَّ وجلَّ العصمةَ والعفافَ. ونسألُ اللهَ تعالى ألا يجعلَنا مِنْ شرارِ خلقهِ، وأن يباعدَ بينَنا وبينَ الخطايا والذنوبِ كما باعدَ بينَ المشرقِ والمغربِ. وصلى اللهُ وسلمَ وباركَ على عبدهِ ورسولهِ نبيِّنا محمدٍ وءالهِ وصحبهِ أجمعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا