أشراط الساعة

قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ سورة محمد الأية 18

أشراط الساعة

من أشراط الساعة أن يرفع العلم

من أشراط الساعة أن يرفع العلم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ الطاهرينَ
أما بعدُ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ مِنْ حديثِ أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: "ألا أُحَدِّثُكم حديثًا سمعتُهُ مِنْ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يُحَدِّثُكم بهِ أحدٌ بعدي، سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: "إنَّ منْ أشراطِ الساعةِ أن يُرفعَ العلمُ ويَكثُرَ الجهلُ ويَكثُرَ الزنا ويَكثُرَ شربُ الخمرِ".
فقولُهُ: "إنَّ مِنْ أشراطِ الساعةِ أن يُرفعَ العلمُ" أي يرتفعُ بقبضِ العلماءِ، "ويَكثُرَ الجهلُ" أي بغلبةِ السفهاءِ. ورَفعُ العِلمِ يكونُ بموتِ العلماءِ، معناهُ أن يموتَ حملتُهُ ويتخذَ الناسُ جهالًا يحكمونَ بجهالتِهم فيَضلونَ ويُضلونَ كما في الحديثِ الذي جاءَ في الصحيحينَ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ لَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤسَاءَ جُهَّالا فَأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ".
إنَّ المرادَ بالعلمِ هنا العلمُ بالحلالِ والحرامِ، العلمُ الموروثُ عن الأنبياءِ عليهمُ السلامُ، العلمُ بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وسنةِ رسولهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أثنى في كتابهِ على العلمِ في عدةِ ءاياتٍ وحضَّ عليهِ وبيَّنَ رسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ _جزاهُ اللهُ عن أمتهِ خيرَ ما جزى بهِ نبيًّا عنْ أمتهِ_ فضلَ العلمِ، وذلكَ أنَّ علمَ الدينِ يَحتاجُ إليهِ سائرُ طوائفِ الناسِ ولا يستغني عن العلمِ طبقةٌ مِنَ طبقاتِ الناسِ، فلذلكَ كانتْ أهميةُ علمِ الدينِ في هذا العصرِ الذي طغى فيهِ الجهلُ بعلمِ الحلالِ والحرامِ على أعمالِ كثيرٍ مِنَ الناسِ وتصرفاتِهم.
فلما كانَ علمُ الدينِ في العصورِ المتقدمةِ عصرِ الصحابةِ وعصرِ التابعينَ وعصرِ أتباعِ التابعينَ وما يلي ذلكَ أوفرَ بكثيرٍ كانتْ حالُ المسلمينَ أحسنَ بكثيرٍ مما صرنا إليهِ في هذهِ العصورِ. ويكفي دليلًا على ذلكَ ما وردَ في جامعِ الترمذيِّ بإسنادٍ صحيحٍ مِنْ حديثِ أبي أمامةَ الباهليِّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: كانَ رجلانِ أحدُهما عابدٌ والآخرُ عالِـمٌ فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "فضلُ العالِم على العابدِ كفضلي على أدناكم وإن اللهَ وملائكتَهُ حتى الحيتانَ في البحرِ ليُصلُّونَ على معلمِ الناسِ الخيرَ" وذلكَ لأنَّ العلمَ يُصلحُ اللهُ بهِ فسادًا كبيرًا ويُنجي اللهُ بهِ مِنَ المهالكِ خلقًا كثيرًا.
و هذهِ المفاضلةُ المذكورةُ في هذا الحديثِ هي بينَ عالِمٍ هو حقُّ العالِمِ وبينَ عابدٍ هو حقُّ العابدِ، وأما إذا خلا العالِمُ عن حقيقةِ العلمِ والعملِ فإنهُ لا يكونُ لهُ هذا الفضلُ، وكذلكَ العابدُ إذا لم تكنْ عبادتُهُ على قواعدِ الشرعِ وموافقةِ الأحكامِ فإنها كالعدمِ. فالعابدُ الذي ذكرَهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هو مَنْ كانَ يَعرفُ ما يُصَحِّحُ بهِ عبادتَهُ، ليسَ الذي يتعبدُ على الخللِ ولا يعرفُ كيفَ تصحُّ صلاتُهُ وطهارتُهُ، فإنَّ هذا على خطرٍ عظيمٍ مِنَ الهلاكِ.
ومِنْ عُظمِ فضلِ العالمِ قالَ عيسى ابنُ مريمَ عليهِ وعلى نبيِّنا صلواتُ اللهِ وسلامُهُ في وصفِ علماءِ أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "علماءُ حلماءُ بررةٌ أتقياءُ كأنهم مِنَ الفقهِ أنبياءُ" رواهُ أبو نُعيمٍ في الحليةِ.
ولَما كانَ العلمُ يُعرفُ بهِ مراتبُ الأعمالِ ما هوَ الفاضلُ وما هوَ الأفضلُ، وما هوَ المحرمُ وما هوَ المكروهُ، وما هوَ مِنَ المعاصي في مرتبةِ الكبائرِ وما هوَ منها في مرتبةِ الصغائرِ، ظهرَ وتبينَ أنَّ العلمَ مِنْ أسنى الأعمالِ وما أنفقتْ فيهِ نفائسُ الأوقاتِ ومِنْ أولى ما عُلِّقَتْ بهِ الرغباتُ، فعليكُمْ بتحصيلهِ.
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا. اللهم ارزقنا علمًا نافعًا وإيمانًا قويًا وثباتًا على الحقِّ يا أرحمَ الراحمينَ.

لمشاهدة فيديوهات "أشراط الساعة" اضغط هنا